بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا، أما بعد اعلموا بأن الحب شجرة سامقة تثمر ثمارا يانعة، متعددة الأغصان، أصلها ثابت في القلب، وفروعها ممتدة ومتفرعة، والحب درجات ومنازل والمحب يتنقل بينها فيعطي كلا نصيبه منه بلا زيادة ولا نقصان، والحب حقيقة لا يجوز تجاهلها، ولكن قد يصرف لغير أهله، أو في غير محله، ومن ثمّ فلا يؤدي غرضه، ولا يورث خيره، بل قد يكون وبالا على صاحبه، وإذا كان ذلك كذلك فليس هنا مقام تفضيل درجات الحب، ولا مراتبه ولا تفصيلها، ولكننا نغوص في بحر حب من أعظم أنواعه وأجلها، وأرفعها قدرها، وأعمقها جذرا، وأعلاها مقاما.
وهذا الحب أزعم أن كل مسلم يدعيه، وآمل أن يكون مبرهنا على زعمه وصدقه في أقواله وأعماله، وهذا الحب هو محبة الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام وما جاء به من عند الله تعالى، وهذه المحبة التي يجب أن تكون عميقة في نفوسنا، متجذرة في قلوبنا، تلهج فيها ألسنتنا، وتنطق بها أقوالنا، وتترجمها أعمالنا وسلوكنا، هذه المحبة عقيدة يجب أن نعتقدها، وندين الله تعالى بها، نرجوا بها الثواب، والرفعة عند الله تعالى، والصحبة لنبيه صلى الله عليه وسلم ومرافقته في الجنة، والشرب من حوضه، وهذه المحبة هي التى تمثل لنا زادا إيمانيا يكون حاديا لنا في السير في هذه الحياة فتتسهل بها الدروب ونتخطى بها العقبات، وهذه المحبة التي تتعدل بها الأخلاق وتستقيم بها المعاملة فيظهر الصدق والإخلاص وحسن الظن والقول الحسن واللين في المخاطبة والعفو والتسامح والصفح.
وهذه المحبة ممتدة مع إمتداد الزمن نحيا عليها ونموت عليها، نربي عليها أنفسنا، ونقوّم فيها أعمالنا، كل يوم يزيد من حبنا للمصطفى صلى الله عليه وسلم حتى نلقى الله تعالى على ذلك، وهي من خير ما يخلف الأبناء و البنات فينعمون بهذا الحب العميق فيضفي على حياتهم السعادة دنيا وأخرى، وهذه المحبة لا يجوز أن تكون دعوى دون تطبيق عملي فإن كانت كذلك فلا يتجاوز حبلها أن ينقطع فالدعوى سريعة الانكشاف قصيرة الأمد، ولا يجوز أن تكون مخصصة في مكان دون آخر فهذا مشهد يبطله المشهد الآخر، ولا يتجاوز أيضا أن تكون مخصصة في زمان دون آخر فهذا مشهد آخر مزعوم، ولا يجوز أن تكون في حالة دون أخرى فهذا مما يبطل دعوى هذا الزعم، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم اعتقاد بالقلب حيث يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" وقول باللسان وعمل بالجوارح يظهره في الواقع التطبيق والسلوك حيث قال تعالى " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " فإذا كان إتباع النبي صلى الله عليه وسلم دليلا على محبة الله فهو دليل من باب أولى على محبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم منهج حياة متكامل يعيش فيه الإنسان المسلم متمثلا بحق شهادة أن محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم، ويتمثل هذا المنهج بوضوح في الإيمان بأن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وإعتقاد محبته عليه الصلاة والسلام في القلب، وتقديم هذه المحبة على محبة النفس والوالد والولد والزوجة والزوج والناس أجمعين،
والعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم دون زيادة فيها أو إحداث فيها ما ليس منها أو النقص منها، والإستسلام والتسليم لما جاء به من أخبار وعدم الإعتراض، وكثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ونشر سيرته وسنته وأخذ العبرة و الدروس منها، والدفاع عنه وعن سنته عليه الصلاة والسلام، والتخلق بأخلاقه والإقتداء به في جميع شؤون الحياة وفي المخبر والمظهر، ومحبة رضوان الله عليهم، ومحبة آله وأصحابه ومعرفة حقهم ومنزلتهم رضوان الله عليهم، ومحبة أحبابه المؤمنين الصادقين، ومحبة ما أحبه عليه الصلاة والسلام ومعاداة من عاداه، وصياغة الحياة كلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية و التربوية وغيرها من أنماط الحياة المختلفة، والفردية والأسرية والمجتمعية، وفق شرعه سنته عليه الصلاة والسلام، وهكذا المحبة الحقة فهل نحب محمدا صلى الله عليه وسلم.
إضافة تعليق جديد