رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 29 أبريل 2024 10:40 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن رمضان والإعجاز القرآنى " الجزء الرابع"

إعداد / محمـــد الدكــروى

ونكمل الجزء الرابع مع رمضان والإعجاز القرآنى، وإن تدبر القرآن يفتح لصاحبه آفاقا رحبة من الخير العاجل والآجل، فهو يريه طرق الخير وأهلها، وسبل الشر وأصحابها، فيدعوه إلى الطريق الأولى وصحبة سالكيها، ويحذره من الطريق الأخرى والهالكين فيها، ويريه حكمة المشرع المعبود سبحانه وتعالى فى نهيه وأمره، وعظمته في خلقه، وفضله فى إكرامه، وعدله فى عقابه، وقوته فى مؤاخذته، ورحمته بعباده، وسعةَ علمه في مخلوقاته، وجبروته فى قهر أعدائه، ونصرته لأنبيائه وأوليائه، وعزته ومنعته أن يناله أذى المؤذين، وقدرته أن يفوته أحد المخلوقين، وسمعه الواسع في إدراك نطق الناطقين، وبصره النافذ العظيم أن تخفى عليه حركة أو سكون من خلقه أجمعين، فما ملئ القرآنَ من تدبر ألفاظه ومعانيه، وما نسى لذة القرآن من تدبر أحكامه وحكمه، وما هجر القرآن من ذاق طعمه وخالطت بشاشته قلبه، والفضيل بن عياض رحمه الله كان قبل توبته من لصوص الليل فبينا هو فى ليلة من تلك الليالى المظلمة أشرقت في قلبه آية. 

فبددت تلك الظلمات، إذ رقى تلك الليلة بيتا فسمع قارئا يقرأ قول الحق سبحانه وتعالى " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون" فقال بلى، والله قد آن، فنزل وتاب وصار يضرب بعبادته وصلاحه المثل بعد ذلك، رحمه الله، ولقد كان هذا القرآن ينزل منجما، وكان الذى نزل عليه يومئذ قليلا كما تعلم، فكان هذا القليل من التنزيل هو برهانه الفرد على نبوته، وذلك القليل منطو على دليل مستبين قاهر، يحكم له بأنه ليس من كلام البشر، وبذلك يكون دليلا على أن تاليه عليهم وهو بشر مثلهم نبي من عند الله، مرسل من وجه واحد، وهو وجه البيان والنظم، ومن ذلك الوجه طولب العرب بالإقرار والتسليم، ومن هذا الوجه تحيرت العرب فيما تسمع من كلام يتلوه عليهم رجل منهم، تجده من جنس كلامها لأنه نزل بلسانهم، لسان عربى مبين، ثم تجده مباينا لكلامها، فما تدرى ما تقول فيه من طغيان اللدد والخصومة، وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة.
 

ثلاثة عشر عاما، والمسلمون قليل مستضعفون في أرض مكة، وظل الوحي يتتابع وهو يتحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن، ثم بعشر سور مثله مفتريات، فلما انقطعت قواهم، قطع الله عليهم وعلى الثقلين جميعا منافذ اللدد والعناد فقال كما جاء فى سورة الإسراء " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" وهذا البلاغ الحق الذى لا معقب له من بين يديه ولا من خلفه، وهو الذى سمى إعجاز القرآن، ولكن أين مكمن الإعجاز؟ فإن الإعجاز كائن في رصف القرآن وبيانه ونظمه، فلا بد من إثباته، فيما احتواه القرآن الكريم من حقائق فى الخلق أو في الكون، فإن ما فى القرآن من مكنون الغيب، ومن دقائق التشريع ومن عجائب آيات الله فى خلقه، كل ذلك بمعزل عن هذا التحدى المفضى إلى الإعجاز، وإن كان ما فيه من ذلك كله يعد دليلا على أنه من عند الله تعالى، ولكنه لا يدل على أن نظمه وبيانه مباين لنظم كلام البشر وبيانهم، وأنه بهذه المباينة كلام رب العالمين، لا كلام بشر مثلهم. 

وإن منذ بداية النهضة الحديثة أشفق كثيرون من العلماء والمفكرين من ربط آيات القرآن ببعض حقائق العلم الحديث، خشيةً من التطورات التي تطرأ على النظريات العلمية، فينعكس ما بها من أخطاء أو نبوءات لم تحقق على صدق الخبر القرآنى ولكن الذين تحمسوا لتلك العلاقة الرابطة، فرقوا بين حقائق العلم التى ثبتت وتحققت بالتجربة، وبين الفروض التي لا تعدُو أن تكون رأيا مفسرا لم يثبت بعد، ومن الذين يرون في الإعجاز مدلولا أوسع الإمام ابن تيمية فهو يقول وكون القرآن معجزة، ليس من جهة بلاغته وفصاحته فقط، أو نظمه وأسلوبه فقط، ولا من جهة إخباره بالغيب فقط، بل هو آية بيّنة معجزة من وجوه متعددة، من جهة اللفظ، ومن جهة النظم، ومن جهة البلاغة فى دلالة اللفظ على المعنى، من جهة معانيه التي أمر بها، ومعانيه التي أخبر بها عن الله تعالى، وأسمائه وصفاته وملائكته وغير ذلك، ومن جهة معانيه التى أخبر بها عن الغيب الماضي، وعن الغيب المستقبل، وكل ما ذكره الناس من الوجوه فى إعجاز القرآن، هو حجة على إعجازه. 

ولا يناقض ذلك، بل كل قوم تنبهوا لما تنبهوا له،  ولإن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى، وإنه كتاب الإعجاز الذي يفسر من عدة وجوه، وقد تأمل الأدباء كلام الفصحاء فوجدوا أن أصدق الحديث كتاب الله وتمعنوا أقاويل البلغاء فوجدوا أن أصدق الحديث كتاب الله وحللوا كلام الشعراء فوجدوا أن أصدق الحديث كتاب الله، فإنه كلام الله فإذا كان الكلام يعظم بعظمة قائله فإن قائل القرآن الذى تكلم به هو الله جل جلاله سبحانه وتعالى، فإنه القرآن له تأثير عظيم فى النفوس وله هيبة كبيرة في القلوب فإن القلوب تنشرح بسماعه والأسماع تتلذذ بقراءته لأنه يهز الكيان هزا، ويجب علينا فى رمضان نكثر من قراءة القرآن وكذلك بعد رمضان فلا يمر علينا مرور السحاب فقد كنا قبل رمضان إلا من رحم الله، لا نقرأ إلا قليلا من القرآن بل ربما تمر علينا الأيام والليالي لا نقرأ فيها شيئا من القرآن، فإنه القرآن يورث القلب خشوعا ويورث النفس صفاء ويخرج الناس من الظلمات إلى النور ويشرح القلوب وينور الصدور ويبعد الشيطان عن الإنسان. 

ويرفعه إلى أعلى درجات الإحسان فيقول النبي صلى الله عليه وسلم" اقرءوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه"  ويقول عليه الصلاة والسلام "إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين" فإنه القرآن حبل الله المتين من اهتدى بهديه فاز فوزا عظيما في الدارين ومن طلب الهدى في غيره خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، فإنه المعجزة الباقية والعصمة الواقية والحجة البالغة والدلالة الدامغة هو شفاء لما في الصدور وحكم عدل عند اشتباه الأمور كلام جزل فصلٌ ليس بالهزل نور لا يخبوا ضياؤه ولا يُخمد نوره وسناؤه وبحر لا يدرك غوره كل كلمة منه لها عجب ولها في ذاتها طرب، عجيب في إشاراته بديع في انتقالاته فيه قصص باهرة وحكم زاهرة ومواعظ زاجرة وأدلة ظاهرة، إذا دعا جذب وإذا زجر أرعب وإذا رغب شوق وإذا وعظ أقلق وإذا أخبر صدق، إذا وعد أبهج وإن كان وعيدا أزعج فسبحان من سلكه ينابيع فى القلوب وأنزله بأبدع معنى وأعذب أسلوب، فقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة.

" يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم" إنه القرآن علاج لنا نحن الذين ظلمنا أنفسنا وغفلنا عن لقاء ربنا وغلبت علينا شقوتنا فلنسأل أنفسنا ما هو نصيبنا من القرآن وهل خصصنا من أوقاتنا شيئا لقراءة القرآن؟ وهل تذوقنا حلاوته في صلاتنا وعند قرائتنا أم أننا للقرآن هاجرون ولحلاوته فاقدون نسمع ولا نعتبر ونقرأ ولا ندكر، فقال تعالى كما جاء فى سورة القمر " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" ويجب علينا إذا خرجنا من رمضان لا بد أن نجدد العهد مع الله بتلاوة القرآن وأن تسرى فى نفوسنا عظمة القرآن حتى لا نقع في شكوى النبي صلى الله عليه وسلم من هجر أمته وقومه للقرآن كما قال الله تعالى فى سورة الفرقان " وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا القرآن مهجورا" فإنه القرآن أبهر الناس بإعجازه وفصاحته وبراعة إيجازه فدانت له القلوب وتأثرت به النفوس وخضعت له المشاعر وانقادت لسماعه الأسماع.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.