بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، روي أن الصحابي الجليل عمرو بن الجموح كان أعرج شديد العرج، وكان كبير السن، وكان له أربعة بنين شباب يغزون مع رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا غزا، فلما أراد رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يتوجه إلى أُحد، في غزوة أحد أراد أن يتوجه معه، فقال له بنوه "إن الله قد جعل لك رخصة، فلو قعدت ونحن نكفيك، فقد وضع الله عنك الجهاد" فأتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال "يا رسول الله، إن بني هؤلاء يمنعون أن أخرج معك، والله إني لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة" فقال له رسول الله "أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد" وقال صلي الله عليه وسلم لبنيه.
" وما عليكم أن تدعوه لعل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة" فخرج مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فقتل يوم أُحد شهيدا، فإنه خرج يريد الشهادة بصدق مع أنه قد تجاوز الستين من العمر، فرزقه الله الشهادة لأنها رزق، ولا ينال هذا الرزق العظيم إلا من يسره الله تعالي له، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله أما بعد لقد جاء في قول فرعون لنبي الله موسى عليه السلام، في قوله تبارك وتعالى " قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين" والمقصود أي أما أنت يا موسى فقد ربيناك في بيوتنا، وأجلسناك على فرشنا، واعتنينا وأنعمنا عليك عدة سنين من عمرك، فجاءت التربية بمعنى العناية بالشيء، وتقديم الرعاية له، وأما في الاصطلاح الشرعي فقد عرفها البيضاوي بقوله تأتي كلمة الرب في الأصل بمعنى التربية.
وهي الوصول بالشيء إلى درجة الكمال عن طريق التدرج في ذلك شيئا فشيئا، وقال الراغب الأصفهاني في تعريف التربية، التربية هي أصل معنى كلمة الرب، وهي تنشئة الشيء درجة فدرجة حتى يبلغ مرتبة الكمال والتمام، كما وتعرف التربية الإسلامية، بأنها اتباع المنهج الإسلامي في تنشئة الفرد المسلم، بطريق التدرج، وبشكل يشمل جميع جوانبه، وذلك لتحقيق السعادة له في الدنيا والآخرة، وتقوم التربية الإسلامية على مجموعة من الأسس، تؤدى إلى تحقيق التطور المتوازن والمتكامل في شخصية المسلم بحيث أنها تهتم بجميع جوانبه الشخصية، والروحية، والجسمية، والعقلية، والاجتماعية، والانفعالية في آن واحد، لقوله تعالى " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا"
حتى التزكية التي أمر بها الإسلام تشمل نفس الإنسان وعقله وجسمه وفؤاده، وتحقق المصلحة لبدنه، لقوله تعالى " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا" ومن ناحية أخرى تحقق التوازن للمسلم من حيث رفضها للتطرف في الطاعة، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يقوم لصلاة الليل وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، كما أنها تدعو إلى التخلي عن الأنانية، لقول النبي عليه الصلاة والسلام " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وتقوم التربية الإسلامية على تربية الفرد على طاعة الله تعالى وعبادته في جميع مجالات الحياة، العلمية، والاجتماعية وغيرها، وفق مبادئ الإسلام وقيمه، وجعله فردا فاعلا في مجتمعه، وعدم إغفاله لآخرته.
فتقوم على بناء الفرد المسلم المتكامل والمتوازن، الذي يهتم بجميع جوانب كيانه، فيتعامل معها بواقعية وبما يتناسب مع فطرته فتؤدى إلى تحقيق التربية الفكرية والعملية معا بحيث يترجم المسلم إيمانه إلى سلوك عملى، فالله تعالى ربط بين الإيمان والعمل في كثير من آيات القرآن، كقوله تعالى " الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وكذلك البعد عن مخالفة الأقوال للأفعال، حيث قال تعالى "يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
إضافة تعليق جديد