بقلم/ محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالَمين وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، الذي كان صلى الله عليه وسلم إذا جن الليل صلى بالمسلمين العشاء، فإن وجد ما يهتم له من أمور المسلمين انشغل به مع كبار الصحابة، وإلا سمر مع أهله شيئا وإذا أراد صلى الله عليه وسلم أن يأوي إلى فراشه فإنه كان يتوضأ قبل نومه، ثم ينفض فراشه ويذكر الله ويدعوه، ثم ينام على جنبه الأيمن، وهكذا كان يقضي النبي صلى الله عليه وسلم يومه العادي يستفتحه بذكر الله والصلاة، والدعاء، ويقضي عامة يومه في الدعوة والنصح والتوجيه والتشريع ومخالطة أمته، وتفقد أمورهم وقضاء حوائج المحتاجين منهم، فكانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها لله، مصداقا لقوله تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين"
فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله أما بعد لقد حذرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الخاتمة فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " رواه مسلم، فمع طغيان المادية، والذي أدى إلى إصابة الأمة أفرادا ومجتمعات بمرض ضعف الإيمان، كان لابد لنا من علاج لهذه الداء العضال، والمرض الخطير الذي أنهكنا حتى تمكن منا عدونا فأصابنا في مقتل، ولأن الإيمان هو الكنز المفقود في حياتنا فكان لابد من وقفة مع النفس نصحح فيها أوضاعنا.
ونجدد فيها إيماننا كما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم " رواه الطبراني، وإن النفس الإنسانية درجات، وأعلى درجاتها ومراتبها النفس المطمئنة، تلك النفس التي ترتقي بأعمالها، وتسمو بفضائلها ، لتخرج من طور النفس الأمّارة بالسوء، حتى تصل إلى طور الاطمئنان، وتنتظم في سلك الطمأنينة والإيمان والنفس المطمئنة يقول عنها ابن كثبر رحمه الله، هي النفس الزكية الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق، وأنار الله قلب صاحبها حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة، وتخلقت بالأخلاق الحميدة، ولزمت الطاعة واطمأنت بها، واعتبرت كل ما يمر بها من الحوادث الحياتية خيرها وشرها، ابتلاء ومحنة.
فسكنت واستقرّت في مقام الاطمئنان والسكينة والأمن، وإن اللوم والتأنيب الصادق يمكن أن يكون حاميا للإنسان من التفريط والتقصير، بل يمكن أن يكون مناعة دائمة للنفس حتى تصبح نفسا مطمئنة، وهذا لا يكون إلا إذا تعوّد الإنسان على محاسبة نفسه، قبل أي فعل وبعده وإن المؤمن ما تراه إلا يلوم نفسه، ولكن أقول ماذا أردت بكلامي؟ وماذا أردت بعملي؟ وإن الكافر يمضي ولا يحاسب نفسه ولا يعاتبها، ولكن المحاسبة قبل العمل وبعده فأما قبل العمل فبأن يقف عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه، وقال الحسن رحمه الله " رحم الله عبدا وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر، هذا قبل العمل، وأما بعد العمل فبمحاسبتها على طاعة قصرت فيها، فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي.
فإن كان مما يستدرك استدركه، وإلا عاد على نفسه باللوم، والندم، والتوبة، والاستغفار، وجدد العزم، وسأل الله العفو، والصفح، والغفران، ووصول النفس البشرية إلى الاطمئنان هي غاية كل مؤمن، ومسعى كل مخلص، ومتى رأى الله تعالي من العبد جهدا في علاج نفسه ومجاهدته، أعانه، وهداه السبل، ويسر له طرق الوصول إلى مراقي السعود، ومراتب القرب والأنس به.
إضافة تعليق جديد