بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد إن أساس المجتمع المسلم هو عقيدة صالحة تدعو إلى عبادة الله وحده، وإذا تتبعنا سير الأنبياء وجدناهم يقررون هذه العقيدة، ويَبدؤون بتأسيس المجتمع على العقيدة الصافية ولذا فالمجتمع الإسلامي يقوم على أساسين اثنين أولهما هو العقيدة الإسلامية الصافية التي تحمي المجتمع المسلم من الزلل في التصور، والشطط في السلوك، وثانيهما هو الإيمان بأن الإسلام هو موجّه الحياة، فالمشرّع هو الله تعالي وليس لأحد من البشر مهما كانت منزلته حق التشريع، ومن نازع الله في حقه، فهو الخاسر في الدنيا والآخرة، ولو أن المسلمين حققوا وبنوا وأسسوا على هذين الأساسين، لما وُجد الخلل في مجتمعهم ولذا جاءت نصوص متوافرة في الحث على التعاون والتماسك.
وإحكام البناء لئلا تُوجد الثغرات في المجتمع، فيتسلل منها الأعداء، ولقد قرر شيخ الإسلام وغيره أنه لا يمكن أن تستقيم العقيدة، وتنمو الأخلاق، إذا لم يطمئن الفرد في حياته، ويشعر أن المجتمع المسلم يقف معه، ويؤمن له حاجاته الضرورية عند العجز أو الحاجة، وقد ذهب ابن حزم إلى أبعد من هذا، فقرر جواز مقاتلة من منع الإنسان حاجته الضرورية من المآكل والملبس والمشرب، ويقول ابن حزم ما نصه "ولا يحل لمسلم أن يأكل ميتة أو لحم خنزير وهو يجد طعاما فيه فضل عن صاحبه لمسلم أو لذمي" ولو طبق المجتمع المسلم هذه الأمور، لما وُجد فيه العوز والحاجة، وإن هناك أناس ﺷﻐﻠﺘﻬﻢ الدنيا ﻋﻦ ﺫﻛﺮ الله تعالي ﻭﻃﺎﻋﺘﻪ، فنسوا ﺍلله عز وجل ﻭﺃﻫﻤﻠﻮﺍ ﺣﻘﻮﻗﻪ، ﻭﻣﺎ قدرﻭﻩ تعالي ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻩ.
ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺍﻋﻮﺍ ﻻﻧﻬﻤﺎﻛﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﻬﺎﻟﻜﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻮﺍﺟﺐ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﻧﻮﺍﻫﻴﻪ ﺣﻖ ﺭﻋﺎﻳﺘﻬﺎ ﻓﺄﻧﺴﺎﻫﻢ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﺃﻧﺴﺎﻫﻢ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﻭﺃﻏﻔﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ ﻭﻓﻮﺍﺋﺪﻫﺎ ﻓﺼﺎﺭ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﻓﺮﻃﺎ، ﻓﺮﺟﻌﻮﺍ ﺑﺨﺴﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ، فقد ﺃﻗﺎﻣﻮﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻬﺪﻣﺘﻬﻢ، ﻭﺍﻋﺘﺰﻭﺍ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍلله ﻓﺄﺫﻟﺘﻬﻢ، ﺃﻛﺜﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﻣﺎﻝ ﻭﺃﺣﺒﻄﻮﺍ ﻃﻮﻝ ﺍﻵﺟﺎﻝ، ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺪﺍﺋﺪ ﻭﺍﻷﻫﻮﺍﻝ، فما أحوجنا في هذا العصر وقد طغت فيه الحياة المادية المتوحشة، وعُبد فيه الدرهم والدينار، وتحكمت المناصب والولايات على نفوس بعضٍ، فأغوتهم عن سنن الشريعة وطريق العدالة، فما أحوجنا جميعا إلى مراجعة للنفوس، ومعالجة لأمراضها الخطيرة، وأدوائها القبيحة، متذكرين مواعظ الوحيين، ممتثلين لقيمهما، سالكين رضا الرحمن الرحيم، مهتدين بسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نتذكر الدنيا، نتذكر الفقر ونتخوفه، فقال "آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبَّن عليكم الدنيا صبا، حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هي" أي إلا هذه الحياة "وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء" فهو حديث عظيم، وعلم من أعلام النبوة، يُعالج وضعنا الخطير في هذا الزمان، فهو حديث يبيِّن أن أسباب الميل عن الحق، وأن أشد عوامل الانحراف عن الطريق المستقيم، وأن أعظم أبواب الفتن هو تحكم الدنيا في القلوب، والإغراق في نيل شهواتها الفانية، ولذاتها المضمحلة، فإن تعلق القلوب بالدنيا وملذاتها إن لم يكن محكوما بالحقائق الإيمانية، والأخلاق الإسلامية فإنه يجر العبد إلى كل صفة ذميمة وفعلة قبيحة، وإلا فهل بخل من بخل عن الزكاة المفروضة، إلا بسبب حب الدرهم والدينار؟
إضافة تعليق جديد