رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 9 مايو 2025 12:56 ص توقيت القاهرة

دماء على قضبان الإهمال

شهيدة "أكياد" ضحية قطار الثالثة... من يُحاسَب؟
بقلم د/ سماح عزازي
في كل مرة يعلو فيها صوت قطار على قضبان مصر، تختلط أصوات الحديد بأنين الضحايا، وتتحول لحظات العبور اليومية إلى مشاهد مأساوية محفورة في ذاكرة القرى والنجوع. ليست هذه الحوادث قضاءً وقدرًا فقط، بل نتيجة تراكم سنوات من الإهمال والتقصير، وغياب الرؤية الجادة لحماية أرواح الأبرياء.
واليوم، نزفّ إلى الوطن شهيدة جديدة من قرية "أكياد" بمحافظة الشرقية، السيدة علي إبراهيم منسي، التي ارتقت ضحية حادث قطار عند مزلقان ينتظر التطوير منذ أكثر من خمس سنوات، في صمت رسمي ونوم برلماني لا يليق بحجم الأمانة.
جريمة لا حادث:
السيدة علي منسي لم تمت وحدها، بل ماتت معها الثقة في مؤسسات تعِد ولا تنفذ، وتُهمل حتى يُزهق الروح. الحادثة وقعت عند "مزلقان مؤهل إلكترونيًا" في قرية أكياد، لكنه – وللمفارقة المؤلمة – ما يزال بلا بوابات، بلا جرس إنذار، بلا أي وسيلة أمان.
وما يؤكد خطورة هذا الإهمال، أن هيئة السكة الحديد المصرية قد أعلنت في تقارير سابقة أن عدد المزلقانات يتجاوز 1300 مزلقان، من بينها نحو 500 مزلقان غير مؤمّن حتى الآن، رغم بدء مشروع تطوير شامل منذ عام 2014، لكنه لا يزال متوقفًا في مناطق كثيرة، خاصة الريفية مثل "فاقوس" و"أكياد".
النواب... حين يصمت ممثلو الشعب:
نوجه السؤال مباشرة: أين نواب مركز فاقوس الأربعة؟ أين دورهم في مراقبة الأداء التنفيذي؟ أين ضغوطهم تحت قبة البرلمان؟
نواب فاقوس... عفوًا، لقد نفد رصيدكم.
في تقرير صادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات (2019)، تم توثيق أن تأخر تطوير المزلقانات يعود لتضارب الصلاحيات ونقص الرقابة البرلمانية، وهو ما أدى إلى استمرار الحوادث رغم رصد الميزانيات اللازمة. فهل يعلم نوابنا حجم مسؤولياتهم؟ وهل يدركون أن الصمت في موضع الخطر خيانة للأمانة؟
الناس لم تنتخبكم لتتصدروا الصور، بل لتقفوا مع مطالبهم، وتحموا أرواحهم، وتنتصروا لقضاياهم.
المرحلة القادمة شعارها: "مش هنتخب حد تاني"
فليتذكّر كل نائب أن بعضهم نجح بفارق أصوات محدود في جولات الإعادة، وأن ثقة الناس ليست شيكًا مفتوحًا، بل عقد شرف بين الناخب والنائب.
التقصير لا يقتصر على النواب:
المشكلة لا تتعلق فقط بالإهمال الفني، بل بعدم توعية الناس، وعدم اتخاذ إجراءات عملية لحمايتهم.
تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) أوضح في عام 2022 أن مصر سجلت 978 حادث قطار خلال عام واحد فقط، وأن 80% من الحوادث سببها المزلقانات غير المؤمّنة وسوء سلوكيات العبور، والتي لا تجد من يوجهها أو يمنعها بوسائل تحذيرية فعالة.
فأين الحملات التوعوية؟ أين التحذيرات؟ أين بدائل العبور؟
المزلقانات تتحول إلى كمائن موت مفتوحة، ولا أحد يتحرك بجدية.
رسالة إلى المسؤولين:
كفى تبريرات. كفى صمتًا.
نريد حلولًا حقيقية، لا تصريحات إعلامية.
نريد بوابات تُركب، وإنذارات تُفعل، ودماء تُصان.
في جلسات البرلمان الأخيرة، اعترف وزير النقل السابق (كامل الوزير) أن هناك "عجزًا في تطوير بعض البوابات الإلكترونية بسبب نقص التنسيق"، وناشد النواب بالمساعدة في تسليم المواقع المطلوبة – وهذا يؤكد أن للمسؤولية بُعدًا سياسيًا وتشريعيًا لا يمكن تجاهله.
إلى كل من يهمه الأمر:
قد لا نملك إعادة الحياة إلى من فقدناها، لكننا نملك أن نُدوِّن دمها في دفاتر الذاكرة، ونرفع صوتنا عاليًا كي لا تتكرر المأساة.
دم علي إبراهيم منسي لن يُطوى في صفحة النسيان، بل سيظل شاهدًا على عار الإهمال، وسكوت من بيدهم القرار.
وفي هذا السياق، تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO) حول السلامة على الطرق، صنّف مصر ضمن الدول ذات النسب العالية في الوفيات الناتجة عن حوادث النقل، خاصة في المناطق الريفية التي تفتقر إلى البنية التحتية والوسائل التحذيرية.
خاتمة لا تحتمل التجميل:
من لم تُحرّكه هذه الدماء اليوم، لن تردعه مأساة الغد.
لا نريد تعويضًا ماديًا، بل نريد حقًا إنسانيًا في العيش الآمن.
وإلى النواب:
إن لم تكونوا صوت الناس، فأنتم خصومهم.
وإلى كل مواطن:
لا تتنازل عن حقك... فالصمت شراكة في الجريمة.
دم السيدة علي منسي أمانة في رقاب الجميع.
لن نصمت.
ولن نغفر.
فالوطن الذي نحلم به لا يقبل أن يكون القطار فيه وسيلة موت... لا وسيلة نقل.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.