عروسة البحور

 
بقلم الأديب المصرى 
د. طارق رضوان جمعة

الكتابة... عزف روح ، وليست تركيب كلمات . نتنفس بعمق في ثنايا هذه الأحرف. أحيانا نكتب ويكون الحبر نزف قلوبنا وأحيانا تكون دموعنا هي مداد أقلامنا.
فالكتابه عالم برزخي، نهرب اليه من جحيم الواقع ، نتنفس الحرف ونلتهم الكلمات ، نحتسي اعذب الحروف حد الاكتفاء. لأن الكتابة .....حياة. 
اليوم أكتب عن عروسة البحور ، والتشابه بينها وبين نساء الأرض .فلكلٍ منهما جماله، وفى حق كلا منهما أٌرتكبت أخطاء جسام. أكتب عن أنثى فاقت جمال الحور روحاَ، إن شئت فقل هى أنشودة الحياة وروحها ، فمن هذا الذى يجرؤ على قمعها وهى كالعشب الناعم، ينحني أمام النسيم ولا ينكسر أمام العاصفة ! هى ذات التمرد القاتل إذا ما حاولت قهرها. ففى احترامها بقائها، وبالاهتمام بها تضمن امتلاك قلبها وحواسها.

أتدرى ان لكل عروس بحر قلنسوة خاصة بها .تلك القلنسوة التى تمثل لها سر الحياة تحت الماء. فماذا لو أن أحدهم سرق من عروسة البحر قلنسوتها ليرغمها على البقاء والحياة معه، استمتع بجمالها ومالها وعزها ؟ حينها لن تستطيع المسكينة من الغوص والحياة تحت الماء وستضطر للحياة على الأرض مع السارق، حتى تحين ساعة الفرار أو الاستسلام. لا شك أن السارق سيكون سعيدا بامتلاك هذه المرأة الفاتنة ، لكن هل ما بينهما حب متبادل واهتمام خصب؟ لا اعتقد فمهما حاولت أن تظهر سعادتها للجميع إلا أنها تفتقد كيانها وروحها، خاصة حين تنفرد بذاتها، ستظل تبحث عن خلاصها مما ارغمت عليه، فهى تحيا بلا حب وبلا اقتناع.

هكذا هو الحال فى الحياة الحقيقية، فالبعض حين يحب أن يرتبط بزوجة يسعى جاهدا لتجريدها مما يميزها ومما كان يوما سبب اعجابه بها، حتى تصبح زوجة مطيعة وزوجة جيدة حسب مقاييس الزوج او انانيته. تلك المميزات التى كانت فى الأساس سر اعجاب الزوج بالزوجة، الأن يطمس معالمها وتتحول حياة عروسة البحار إلى حياة مكبلة محدودة خانقة بعيده كل البعد عن عالمها السحرى. ورغم تظاهرها بالسعادة ورغم انجابها لأطفال يتسموا بالجمال، إلا أنها ستظل تتوق إلى النجاة والخلاص. وهناك منهن من تيأس ويتلاشى لديها الحلم بالعودة لحياة البحار.

مخطىء أنت الا تغفر هفواتها الصغيرة، فهذا يحرمك من التمتع بفضائلها الكبيرة. فهى كائن رقيق . طفلة هى يسعدها السؤال ويبكيها الإهمال. فهى تعشق من يجدد تلك الطفولة. خلقها الله لتعيش مع حبيبها وأبيها وأخيها