رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 2 مايو 2024 8:46 ص توقيت القاهرة

قصة "بركة العملة الأثرية " بقلم الأديب لزهر دخان

كتب لزهر دخان

"بركة العملة الأثرية "

أسقطها في جيبه وغادر متجر المغتربنفسه . في نفسه كان يقرأ تعويذته المخصصة لرد شر التجار . لم تحاربه أنت أيها الفاسد اللص ، أما أنا فقد تحررت منه منذ زمن . وغدا ستكتشف من أغنى من الأخر . وكان التاجر قد عيره بالتسول وعدم محاربة الفقر بعمل شريف .

دخل بيته وجمع زوجته وأولاده . الزوجة فهمت أن قطعة المال الثمينة عادت لتحول بيتها المتواضع إلى قصر ذهبي . أما الأبناء والبنت فقد إنتظروا ريثما يفتح الأب جيبه . فتح الأب جيبه بهدوء شديد ، وكان كالعادة مكتنزا بكنز ..الله وحده يعلم أين كان . وهو وعائلته وحدهم يعلمون أين أصبح.

هذه المرة أخرج من جيبه ألف دينار ذهبي . إنه يصدق نفسه ولكنه فرح أكثر من المرات الماضية .

إستبشرت الزوجة بفتح سمسم للمرة الأربعون خلال عام .. بسبب قطعة المال القديمة التي كلما أعادها التجار إلى زوجها وعاركوه إذا طلب التسوق بها . كلما تحولت في جيبه إلى كنز ذهبي كبير .

إبنه الأكبر ككل مرة ينصح والده بعدم الطمع والإكتفاء بما أصبح معهم من مال . ويوافقه الرأي شقيقه وأخته . أما الزوجة ورغم أنها تخشى على بعلها من غضب التجار ..لا تزال ترغب في الربح . بعدما جمعت الدنانير لتخفيها جيداً سألت رب بيتها عن ما قاله له التاجر . فقال : هو الذي بدأ العراك وأنا لم أفتعله ، وأسأل الله أن يبارك لي في مالي وصحتي وزوجتي وأبنائي .. رفض رفضاً شديداً ، وقال لي لا أبيع بالمال القديم ، ألا ترى أن عهد السلطان قد إنتهى منذ ثلاثة مئة عام . وشتمني بعض الشتائم الجديدة في السوق على حد قوله . وأراد إقناعي بأن الرد عن أمثالي سيكون مستقبلا بمثل تلك الشتائم . فتركته وإنصرفت ، متفائلا بما أصبح في جيبي من الذهب ..

سألته إبنته عن الشتائم الجديدة إذا كان قد حفظ منها ما تيسر له؟ فلم يجد في ذاكرته غير منظر تاجر متغطرس لا يطلق حتى الشتيمة بسخاء أو كرم . " تسول بعيداً يا... " لا سمح الله يا بنيتي ، لقد وصفني بالكلب الجائع .

إنني يا أبنائي ويا زوجتي لا أريد أن يصيبني مكروها بسبب الطمع . فأخسر من كنزي القليل أو الكثير أو أفقده كله . ولذا سوف لن أطيع كل من يشير عني بمواصلة جمع دنانير الذهب من التسوق بنقد السلطان . وسوف أجمع المال من التجارة .

زوجته أيضا هذه المرة متحمسة للربح عن طريق التجارة وكذلك الفلاحة .. والأبناء يرغبون في تنفيذ تعليمات أبويين ذكيين بدون أخطاء .

بدأت أعمالهم التجارية من البداية بين بيتهم وأسواق القرى المجاورة . حيث كان يعمل هو وأبنائه .أما الزوجة فقد إلتزمت بمساعدة زوجها على إنجاح تجارته من البيت. وقد أكرمهم الله وأرسل لهم رزقا وفيرا .. ولكن هل يطمئنون وقطعة المال السلطانية القديمة ،هل يجربونها مرة أخرى على الأقل يتأكدون منها هل لا يزال سحرها يعمل أو لا ...

هذا ما فكر فيه فجمع أبنائه مجددا حول هذا الموضوع . وقد عمل بنصيتهم عندما طلبوا منه عدم تجربتها مجددا . فإقتنع بأنه لا بد من إخفائها بإحكام إلى زمن قد تشتد فيه عليهم الأزمات . وتبور تجارتهم أو ينفذ مالهم .

وذات صباح تفاجأوا بجو ممطر بغزارة شديدة .. ورياح عاتية ضربت قريتهم بقوة إعصارية .. فدمرت القرية على بكرة أبيها . وكاد يهلك هو وأولاده ، ولم يتمكن من إنقاذ ممتلكاته . بإستثناء أكياس ذهبه وعملته السحرية وزوجته .

أشفق على أهل قريته الذين أصبوا جميعا في العراء. فقرر أن يتسوق من أجلهم .. فربما كان هذا كله تدبير من الله ليرزقهم هم أيضا من حيث لا يحتسبون .. وبدأت حكايته الأولى مع أول تاجر أراد أن يشتري منه معزاة وتيس . وهو من خارج قريته ، وافق التاجر على البيع بالعملة القديمة .. فإستغرب الرجل من أمره وشك في صدق حظوظه . وقال له مهلا مهلا كنت أمازحك . سأدفع لك من المال المتداول . ودفع له دينارا ذهبيا كاملا ، وقال له أعطني الباقي . فلم يجد معه فكة بإستثناء كل ما في إسطبله من مواشي . وكان الرجل متخوفا ..فقبل المواشي كلها مقابل ديناره وساقها إلى قريته . مستبشرا بها على كل حال ..

بعد حوالي خمسة سنوات أصبت تلك القرية من أغنى القرى بالمواشي . سيما الأغنام والماعز .. وكانت له تجربة أخرى وأخرى مع قطعته الأثرية حيث تسوق بها مرتان . مرة من صاحب مواشي خدعه ليحصل على ماشية ذهبية . ومرة مع تاجر حُبوب خدعه . وحصل على 500 دينار ذهبي كانت قريته بها بعد محنتها من أقوى القرى ..

ذات مرة وهو يتحدث مع أبنائه سألهم هل ستختلفون في الواجبات والحقوق بعدي، أو ستتفقون على أن كل ما أملكه ملكا لكم جميعا وليس قسمة بينكم . فقالوا له نعم هو شراكة وأطال الله لنا في عمرك .. ثم سألهم هل تصدقون أني وجدت هذا المال الذهبي في جيب قميص بالي إشتريته من السوق ..فقالوا له نعم نصدق ، فأنت والدنا الذي لا يكذب عنا . فسألهم ،، لماذا إذا لا أراكم في منامي إلا مختلفين بسبب المال من بعدي . ولماذا أراني وقد وجدت المال الذهبي في جيب زوجتي ..

فقالت له إبنته ،،إننا لسنا نحن يا أبي . وأنت قد كبرت وأصبحت لا تحسن تفسير الأحلام . فالرؤية التي أراك الله إياها تعني أن الناس، وإن كانوا أشقاء وأخوة يختلفون بسبب المال . أما قميص أمي الذي وجدت فيه مالك الذهبي فهذا يعني أنها سيدة مباركة .. وربما يعني أننا سنصبح أسرة مباركة في التاريخ والأثر ..

شكر إبنته وطلب من أولاده مساعدته على النوم بسلام .. ومع مرور الوقت كبر في السن أكثر.وعندما بلغ التسعون سنة توفي ..وعاشت ثروته ووصياه في يد أبنائه شراكة وأمانة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.