رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 18 أبريل 2024 11:26 م توقيت القاهرة

من صحابة رسول الله (ص) صقر يوم أحد .. طلحة بن عبيد الله رضي

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ..< الأحزاب 23 >

تلا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة، ثم استقبل وجوه أصحابه، وقال وهو يشير الى طلحة : من سرّه أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض، وقد قضى نحبه، فلينظر الى طلحة .

ولم تكن ثمة بشرى يتمنّاها أصحاب رسول الله، وتطير قلوبهم شوقاً اليها أكثر من هذه التي قلّدها النبي طلحة بن عبيد الله لقد أطمأن إذن الى عاقبة أمره ومصير حياته.. فسيحيا، ويموت، وهو واحد من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولن تناله فتنة، ولن يدركه لغوب ولقد بشّره الرسول بالجنة، فماذا كانت حياة هذا المبشّر الكريم .

هاجر طلحة الى المدينة حين أمر المسلمون بالهجرة، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عدا غزوة بدر، فان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد ندبه ومعه سعيد بن زيد لمهمة خارج المدينة

ولما أنجزاها ورجعا قافلين الى المدينة، كان النبي وصحبه عائدين من غزوة بدر، فآلم نفسيهما أن يفوتهما أجر مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهاد في أولى غزواته
و قد أهدى الرسول اليهما طمأنينة سابغة، حين انبأهما أن لهما من المثوبة والأجر مثل ما للمقاتلين تماما، بل وقسم لهما من غنائم المعركة مثل من شهدوها

وتجيء غزوة أحد لتشهد كل جبروت قريش وكل بأسها حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤمّن مصيرها بانزال هزيمة نهائية بالمسلمين، هزيمة حسبتها قريش أمرا ميسورا، وقدرا مقدوراً ودارت حرب طاحنة سرعان ما غطّت الأرض بحصادها الأليم.. ودارت الدائرة على المشركين

ثم لما رآهم المسلمون ينسحبون وضعوا أسلحتهم، ونزل الرماة من مواقعهم ليحوزوا نصيبهم من الغنائم وفجأة عاد جيش قريش من الوراء على حين بغتة، فامتلك ناصية الحرب و زمام المعركة واستأنف القتال ضراوته وقسوته وطحنه، وكان للمفاجأة أثرها في تشتيت صفوف المسلمين .

وأبصر طلحة جانب المعركة التي يقف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألفاه قد صار هدفا لقوى الشرك والوثنية، فسارع نحو الرسول وراح رضي الله عنه يجتاز طريقاً ما أطوله على قصره..! طريقا تعترض كل شبر منه عشرات السيوف المسعورة وعشرات من الرماح المجنونة

ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد يسيل من وجنته الدم و ويتحامل على نفسه، فجنّ جنونه، وقطع طريق الهول في قفزة أو قفزتين وأمام الرسول وجد ما يخشاه.. سيوف المشركين تلهث نحوه، وتحيط به تريد أن تناله بسوء ووقف طلحة كالجيش اللجب، يضرب بسيفه البتار يميناً وشمالاً ورأى دم الرسول الكريم ينزف، وآلامه تئن، فسانده وحمله بعيداً عن الحفرة التي زلت فيها قدمه .

كان يساند الرسول عليه الصلاة والسلام بيسراه وصدره، متأخرا به الى مكان آمن، بينما بيمينه، بارك الله يمينه، تضرب بالسيف وتقاتل المشركين الذين أحاطوا بالرسول، وملؤا دائرة القتال مثل الجراد .

أثناء انسحاب الرسول صلى الله عليه و سلم من أحد قال أبن اسحاق : نهض رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الصخرة من الجبل ليعلوها وكان قد بدن -أي ضعف و أسن- و ظاهر بين درعين فلما ذهب لينهض لم يستطع فجلس تحته طلحة ابن عبيد الله حتى استوى عليه

و قد أصاب العرج إحدى رجلي طلحة رضي الله عنه أثناء دفاعه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و لما حمل النبي صلى الله عليه و سلم تكلف استقامة المشي أدباً مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستوت رجله العرجاء لهذا التكلف فشفى من العرج

وكان أبو بكر اذا ذكر يوم أحد يقول: ذلك كله كان يوم طلحة.. كنت أول من جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجرّاح: دونكم أخاكم.. ونظرنا واذا به بضع وسبعون بين طعنة.. وضربة ورمية.. واذا أصبعه مقطوع فأصلحنا من شانه

و عن جابر رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد وولى الناس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية اثني عشر رجلاً منهم طلحة فأدركهم المشركون فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من للقوم ؟
فقال طلحة : أنا
قال صلى الله عليه وسلم : كما أنت
فقال رجل من الأنصار : أنا
قال صلى الله عليه وسلم : أنت فقاتل حتى قتل ثم التفت فإذا المشركون فقال صلى الله عليه وسلم : من لهم
فقال طلحة : أنا
قال صلى الله عليه وسلم : كما أنت
فقال رجل من الأنصار : أنا
قال صلى الله عليه وسلم : أنت فقاتل حتى قتل فلم يزل كذلك حتى بقي مع نبي الله طلحة
فقال النبي : من للقوم ؟
قال طلحة : أنا فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى قطعت أصابعه فقال : حس
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو قلت "بسم الله" لرفعتك الملائكة و الناس ينظرون

و عن عائشة و أم اسحاق ابنتي طلحة قالتا : جرح أبنا يوم أحد أربعاً و عشرين جراحة وقع منها في رأسه شجعة مربعة و قطع نساه -أي العرق- و شلت اصبعه و كان سائر الجراح في جسده و غلبه الغشي و رسول الله صلى الله عليه و سلم مكسورة رباعيته مشجوج في وجهه قد علاه الغشي و طلحة محتمله يرجع به القهقرى كلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه حتى أسنده الى الشعب

وجاء اعرابي لرسول الله صلى الله عليه و سلم يسأله عمن قضى نحبه : من هو ؟ و كانوا لا يجترئون على مسألته صلى الله عليه و سلم و يوقرونه و يهابونه فسأله الاعرابي فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم اني اطلعت من باب المسجد و علي ثياب خضر فلما رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أين السائل عمن قضى نحبه ؟
قال الاعرابي : أنا
قال صلى الله عليه و سلم : هذا ممن قضى نحبه
وقال صلى الله عليه و سلم : طلحة ممن قضى نحبه

وفي جميع المشاهد والغزوات، كان طلحة في مقدّمة الصفوف يبتغي وجه الله، ويفتدي راية رسوله ويعيش طلحة وسط الجماعة المسلمة، يعبد الله مع العابدين، ويجاهد في سبيله مع المجاهدين، ويرسي بساعديه مع سواعد اخوانه قواعد الدين الجديد الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور فاذا قضى حق ربه، راح يضرب في الأرض، ويبتغي من فضل الله منمّيا تجارته الرابحة، وأعماله الناجحة

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.