وهزي إليك بجذع النخلة

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وإمتنانه وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه، أما بعد عباد الله اتقوا حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون وبعد ذكرت المصادر الكثير عن الشجرة الطيبة، وأن المؤمن دائما سعيه بين شيئين وهو سقي هذه الشجرة وتنقية ما حولها، فبسقيها تبقى وتدوم وبتنقية ما حولها تكمل وتتم، والله المستعان وعليه التكلان، وقال ابن القيم وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق به، ويقتضيه علم الذي تكلم به وحكمته، فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر، فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ليطابق المشبه المشبه به، فعروقها العلم والمعرفة واليقين، وساقها الإخلاص، وفروعها الأعمال. 

وثمرتها ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسمت الصالح والهدي والدل المرضي، فيستدل على غرس هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور، فإذا كان العلم صحيحا مطابقا لمعلومه الذي أنزل الله كتابه به والاعتقاد مطابقا لما أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله والإخلاص قائم في القلب والأعمال موافقة للأمر، والهدي والدل والسمت مشابه لهذه الأصول مناسب لها، وعلم أن شجرة الإيمان في القلب أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإذا كان الأمر بالعكس علم أن القائم بالقلب إنما هو الشجرة الخبيثة التي إجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، وما جاء في شرف النخلة على غيرها وأن شرف المثل دليل على شرف الممثل به لا يكاد المرء يقف عند أية من كتاب الله يذكر فيها نعمه وأيامه على عباده.

إلا وتجد للنخلة فيها موضع يأتي في سياق المن وإظهار النعمة، ومن ذلك قوله تعالى "فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون " وخص النخيل بالذكر وقدمه على غيره، لأنها أشرف الفواكه المعروفة لديهم، وأنفعها عندهم، ومنه قوله تعالى "واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا " وقال الرازي قوله تعالي " وحففناهما بنخل أي وجعلنا النخل محيطا بالجنتين نظيره قوله تعالى "وترى الملائكة حافين من حول العرش" أي واقفين حول العرش محيطين به، وهذه الصفة مما يؤثرها الدهاقين أصحاب بساتين العنب، في كرومهم وهي أن يجعلوها محفوفة بالأشجار المثمرة، وهو أيضا حسن في المنظر، ومنه قوله تعالى " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا " 

ولقد إختص الله سبحانه وتعالي النخلة من بين الشجر وإختارها ليكون من ثمرتها طعاما للسيدة مريم عليها السلام، ثم يصير بعد ذلك غذاءا يشق جوف نبي من أنبياء الله تعالي حيث قال " فكلي واشربي وقي عينا" وقال ابن حزي أي كلي من الرطب واشربي من ماء الجدول وهو السري وقري عينا أي طيبي نفسا بما جعل الله لك من ولادة نبي كريم أو من تيسير المأكول والمشروب، ومنه قوله تعالى " وزروع ونخل طلعها هضيم، فما من شجرة أمتدحها الله في كتابه بمثل ما وصف به النخلة، وقد جاءت هذه الآية في سياق الإمتنان والتذكير بالنعمة لمن كفر بها، ولأهل العلم فيها أقوال كثير تظهر الجانب البديعي والجمالي في وصف طلع النخلة، حتى قال شيخ المفسرين " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال الهضيم هو المتكسر من لينه ورطوبته.

وذلك من قولهم هضم فلان حقه إذا انتقصه وتحيفه، فكذلك الهضم في الطلع، إنما هو التنقص منه، من رطوبته ولينه إما بمس الأيدي، وإما بركوب بعضه بعضا، وأصله، وهو مفعول صرف إلى فعيل، ومنه قوله تعالى "والنخل باسقات لها طلع نضيد " فإنها صورة لا تحمل شيئا من الحركة، وإنما وقف التعبير القرآني عند الطول الذي تتصف به النخيل، وثمارها المصفوفة بشكل جميل، أي الذي  قد ركب بعضه بعضا، وهذا هو المعنى اللغوي للنضيد، لا بفعل فاعل من البشر، بل من صنع الله المبدع، وهذه آية الجمال المستقرة في الصورة.