بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
قال الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) وقد اختصَّ الله سبحانه وتعالى بعض الأيام بمزيد من الشرف والتفضيل، ومن تلك الأيام يوم الجمعة، فقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم "خَيْرُ يَـوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَـوْمُ الْجُمُعَـةِ…" وإن ليوم الجمعة ميزات وفضائل كثيرة ، فَضَّلَ الله بها هذا اليوم على ما سواه من الأيام ، وقد خص الله تبارك وتعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم بهذا اليوم ، دون غيرها من الأمم .
ولهذا اختص الله هذا اليـوم المبـارك بخصائصَ لا توجد في سائـر الأيام؛ منها: صلاة الجمعة التي أوجبها الله تعالى لتكون عيدًا أسبوعيًا للمسلمين، يلتقون فيه فيزدادون تعارفًا وتآلُفًا، ويتشاورون فيما بينهم، ويتعاونون على البرِّ والتقوى، ويتراءَوْنَ، فيشاهد كلٌّ منهم حال أخيه فيشاركُه فرحتَه، ويشاطرُه شدَّتَهُ.
وفي صلاة الجمعة يستوي الناس جميعًا، وتزول جميعُ الفوارق والاعتبارات الدنيوية؛ فالجميع يقفون في صفوف متراصَّةٍ متساويةٍ، يركعون ويسجدون جنبًا إلى جنب، وجبهةً إلى جبهةٍ، تحتَ قيادة إمام واحدٍ، يتجهون إلى معبودٍ واحدٍ، ويلتفون حول هدف واحد.
ولمَّا كانت صلاة الجمعة محفلاً كبيرًا من محافل الإسلام، فقد راعى الإسلام لها آدابًا ونظامًا، بحيث لو تعداها المصلِّي يكون متجاوزًا لتعاليم الإسلام؛ ومن هذه الآداب والتى قلَّ الاهتمام بها: أنَّهُ يستحبُّ لكلِّ من أراد حضور صلاةِ الجمعة أن يكون على أحسن حالٍ من النظافة والزِّينةِ؛ فيغتسل ويلبس أحسنَ الثيابِ، ويتطيَّب بالطِّيبِ .
فعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى". رواه البخاري .
ويُسَنُّ التبكيرُ بالحضور إلى صلاة الجمعة لغير الإمام؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتْ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً (ناقة) ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ". رواه البخاري
وعن أَوْسٍ بْنِ أَوْسٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَة وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ: أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيامِهَا". رواه أبي داود .
والتبكير لحضور الجمعة كان من عادة السَّلف الصالح رضي الله عنهم، وكانوا يعاتبون أنفُسَهُم عند تركهِمُ التبكير أو تقصيرِهِم فيه؛ فدخل ابن مسعودٍ رضي الله عنه بُكرةً، فرأى ثلاثةَ نفر قد سبقوه بالبكور، فاغتمَّ لذلك، وجعل يقول لنفسه معاتبًا إياها: "رابعُ أربعة، وما رابعُ أربعةٍ ببعيد" فهذا حال ابن مسعود رضي الله عنه وهو من هو، فما بالُنا في كثير منَّا إلاَّ مَن رحم الله لا يأتون إلا والإمامُ على المنبر، بل يأتي بعضهم مع الصلاة أو قُبَيْلَهَا بقليل، ويحرمون أنفسهم من هذا الثواب العظيم.
ويستحبُّ لمن بكَّر لصلاة الجمعة الاشتغالُ بصلاة النافلة، وتلاوةِ القرآنِ، والتسبيح، والتهليلِ، والتكبير، والدعا ء ، ويجب على المبكِّر أن يملأ الصَّفَّ الأولَ، فالذي يليه، ولا يترُكَ فراغًا في الصَّفِّ، وأن لا يفتحَ بابًا لتخطِّي الرِّقابِ، فقد ثبت عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: "احْضُرُوا الذِّكْرَ، وَادْنُوا مِنْ الإِمَامِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ دَخَلَهَا". رواه أبو داود.
والصفوف الأمامية للسابقين إلى المساجد، المسارعين إلى نداء الله، وأمَّا ما يفعله بعضُ الرِّجال والنِّساءِ من حجز مكانٍ في المسجد بسجَّادةٍ أو نحوها، فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين؛ لأنَّه غصبُ بقعةٍ في المسجد بفَرْشِ ذلك المفْروشِ فيها، ومنعُ السَّابقين إلى المسجد أن يصلُّوا في ذلك المكان، وأن يُتِمُّوا الصَّفَّ الأولَ فالأول، ثم إنه يتخطَّى النَّاسَ إذا حضروا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم حذَّرَ من إيذاءِ المصلِّين بتخطِّي رقابهم، لما في ذلك من الاستهانة بحرمة الغير، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَقَالَ: "اجْلِسْ؛ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ"، ومعنى آنيتَ: أي أبطأْتَ وتأخَّرتَ.
وأنه يجب على الحاضرين الإنصاتُ والاستماعُ للخطبة، ويحرُمُ الكلامُ وقتَ إلقائها، والعبثُ بالحصى أو السُّبحة أو المفاتيح أو نحوها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ". وفي رواية لمسلم: " وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا". لأنه تشاغل به عن الخشوع، وحضور القلب، ومعنى لغا: أي خاب من الأجر، وقيل: أي بطلت فضيلة جمعته، وقيل: صارت جمعته ظهرًا. فأتقوا الله يرحمكم الله .
إضافة تعليق جديد