رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 8 يونيو 2025 5:34 ص توقيت القاهرة

▪️متى تحصل الأمة على النصرة والعزة

▪️بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

▪️مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

إن الأمة الإسلامية اليوم تتطلع إلى نصر عاجل يرفع عنها هذا الذل والهوان الذي تسربلت به، وينقلها من دركات المهانة والإذلال إلى درجات العزة والرفعة والسمو نصرًا يعيد لها مجدها السابق، وحماها المستباح ولا شك أن الناصر هو الله تعالى وحده فهذه عقيدة الموحدين التي لا يساومون عليها ولا يشكون فيها عقيدة ثابتة مغروسة في النفوس .

إن وصول الأمة في هذا الزمن إلى التمكين ليس بالأمر السهل، ولكنه كذلك ليس بالمستحيل إذ على الرغم من التضييق الشديد والحرب الضروس التي تشن على الإسلام، إلا أن الكثير يرون أن التمكين لدين اللـه قاب قوسين أو أدنى، ومهما رأى الأعداء أن التمكين للإسلام بعيد يشبه المستحيل؛ فإن المسلم واثق بوعد اللـه أن الأرض يرثها عباده الصالحون.

وقد جعل الله سبحانه انتصار الحق سُنة كونية كخلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، سنة لا تتخلف، قد تبطئ لحكمة يعلمها الله، وقد تأتي في موعدها حسب سنة الله.

 إن المؤمن لا بدَّ أن يعلم أن القوة الوحيدة التي تتولد منها سائر القوى الصغيرة والكبيرة، وتملكها وتوجهها، وتسخرها حيثما تريد كما تريد، إنما هي قوة الله وحده: 

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ

 [هود: 66]

ولا بدَّ كذلك أن يتيقن المؤمن أن الالتجاء إلى تلك القوى مهما كانت كالتجاء العنكبوت إلى بيت العنكبوت.

 

وليس هناك إلا حماية الله، وركنه القوي، فهو سبحانه القوي، وكل قوة في العالم من قوته, وبهذه الحقيقة الإيمانية العظمى، والتي رسخت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم كانت بها أقوى من جميع القوى التي وقفت في طريقها، وداست بها على كبرياء الجبابرة والطغاة في الأرض، ودكت بها المعاقل والحصون.

إن الله سبحانه يطمئن رسله وأولياءه أنه سبحانه سيتولى حرب هؤلاء الكفار، ويحذر أعداءه ويصفهم بأنهم كالهباءة المنثورة التي لا تعني شيئًا أمام جبروت الجبار العظيم القهار قائلاً: 

فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ

 [القلم: 44، 45]

وإذا كان هذا حالهم وهم في مكة قلة مستضعفون، فقد قال لهم ذلك وهم منتصرون في بدر: 

فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

[الأنفال: 17]

 وقال بعد أن أمدهم بالملائكة في بدر: 

وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

 [آل عمران: 126]

وذلك كله ليقرّ في قلوب المؤمنين هذه الحقيقة، حقيقة أن المعركة معركته سبحانه وأنه حين يجعل للمؤمنين فيها دورًا، فإنما ذلك ليبليهم منه بلاء حسنًا، وليكتب لهم بهذا البلاء أجرًا؛ أما حقيقة الحرب فهو سبحانه الذي يتولاها، وأما حقيقة النصر فهو الذي يكتبه، وهذه حقيقة تسكب الطمأنينة في قلب المؤمن في حالتي قوته وضعفه على السواء، ما دام يخلص قلبه لله، ويتوكل في جهاده على الله، فقوته ليست هي التي تنصره في معركة الإيمان والكفر، والحق والباطل، إنما هو الله الذي يكفل له النصر بعد قيام العبد بأسبابه التي أمره الله بها.

  أما متى يكون النصر؟ومتى تتوفر أسبابه؟ فذلك في علم الله المكنون، فعلينا الدعاء، وعلى الله الإجابة وعلينا الجهاد، وعلى الله النصر وعلينا العمل، وعلى الله الأجر وعلينا الدعوة، وعلى الله الهداية، وأمام هذه الحقيقة يوجهنا الله إلى الصبر والتقوى، الصبر على الدعوة، والصبر على الجهاد، والصبر على أوامر الله، والصبر على أقدار الله، والصبر عن معاصي الله، والصبر على شهوات النفوس، والصبر على الأذى والتكذيب, والصبر على السخرية والاستهزاء. الصبر في هذا كله حتى يحكم الله في الوقت المقدر كما يريد، فيحصل للمؤمنين الفوز والفلاح: 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

 [آل عمران: 200]

 وقد وعد الله المؤمنين إذا نصروا الله بالقيام بدينه والدعوة إليه وجهاد أعدائه أن ينصرهم على عدوهم ويثبت أقدامهم كما قال سبحانه :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ

 [محمد: 7 - 9]

 فعلى المؤمنين بالله أن يقوموا بنصرة دينه، وإعلاء كلمته، والدعوة إليه .

إن جميع الأنبياء دعوا أممهم إلى ثلاثة أشياء: التوحيد, والإخلاص, والنصيحة، وضحوا بكل ما يملكون من أجل الدين تضحية كاملة، فالاستقامة الكاملة والتضحية الكاملة معها نصرة كاملة من الله، وذلك خاص بالأنبياء وأتباعهم من المؤمنين، وهي سُنّة جارية لا تتبدل.

 فنصرة الله دائمًا إلى يوم القيامة لأهل الإيمان والتقوى، سواء كان نبيًّا أو خليفة أو من سائر الناس، فردًا أو جماعة أو أمة، وبعد بذل كل شيء، وكمال الاستقامة، وكمال التضحية، الله يفصل بأمرين: نصر أوليائه المؤمنين وخذلان أعدائه الكافرين.

 وحتى تحصل الأمة على النصرة والعزة لا بدَّ من التضحية الكاملة لتحصل النصرة للأمة، والهداية للبشرية ونصرة الله تكون لمن نصر الله كما قال سبحانه : 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

 [محمد: 7]

 ويكون نصر المؤمنين لربهم بأمرين:

الأول: أن تتجرد نفوسهم لله وحده، فلا تشرك به شيئًا ظاهرًا أو خفيًا، وأن يكون الله أحب إليها من ذاتها ومن كل ما تحب وتهوى، وأن تحكمه في رغباتها وشهواتها، وحركاتها وسكناتها، وسرها وعلانيتها فهذا نصر الله في ذوات النفوس.

 الثاني: أن لله عزَّ وجلَّ شريعة ومنهاجًا للحياة، ونصر الله يتحقق بنصر شريعته ومنهاجه، وتحكيم أمره في كل شيء، فهذا نصر الله في واقع الحياة.

والنفوس لا تنتصر في المعارك الحربية إلا حين تنتصر في المعارك الشعورية والأخلاقية، وتُؤْثر طاعة ربها على كل ما سواه. 
والذين تولوا يوم التقى الجمعان في أُحد إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا من الذنوب، والذين انتصروا في معارك العقيدة مع الأنبياء هم الذين بدؤوا المعركة بالدعاء والاستغفار من الذنوب، وصدق اللجوء إلى الله وطاعته فتلك عُدَّة النصر.

 وقدر الله وراء أفعال البشر، ففي غزوة أحد نصر الله المؤمنين في البداية، وما أن ضعف المسلمون وتنازعوا وعصوا وانصرفوا لجمع الغنائم إلا وصرف الله قوتهم وبأسهم وانتباههم عن المشركين، وصرف الرماة عن ثغرة الجبل، وصرف المقاتلين عن الميدان فلاذوا بالفرار، ووقع كل هذا مرتبًا على ما صدر منهم, كما قال سبحانه : 

وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

[آل عمران: 152]

وما حدث لهم مدبَّر من الله ليبتليهم لتمحيص النفوس، وتمييز الصفوف, ولقد عفا الله عن المؤمنين لضعفهم وعدم إصرارهم على الخطيئة، وحسن نيتهم، وثباتهم على دينهم، والله ذو فضل على المؤمنين.

إن الله -عزَّ وجلَّ- في مواطن التربية والابتلاء لا يعد المؤمنين بالنصر في الدنيا, ولا يعدهم بقهر الأعداء, ولا يعدهم بالتمكين في الأرض، ولا يعدهم بشيء من الأشياء في هذه الحياة، إنما يعدهم شيئًا واحدًا هو الجنة كما قال سبحانه : 

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ

 [التوبة: 111]

وقوله صلى الله عليه وسلم.: 

قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض

 [مسلم(1901)]

وهذا هو الأصل في الدعوة، التجرد المطلق من كل هدف، ومن كل غاية، ومن كل مطمع، فهذه العقيدة عطاء ووفاء وأداء فقط، وبلا مقابل من أعراض هذه الأرض.

ثم يقع النصر والتمكين والعزة والغنائم، ولكن كل هذا ليس داخلاً في البيعة، فليس في الصفقة مقابل في هذه الدنيا، ليس فيها إلا الأداء والوفاء والعطاء والابتلاء، وعلى هذا كانت البيعة والدعوة مطاردة في مكة، وعلى هذا كان البيع والشراء، وعلى هذا يسير الدعاة إلى الله إلى يوم القيامة.

النصر له أسباب والهزيمة لها أسباب والعزة لها أسباب والذلة لها أسباب والنجاة لها أسباب والهلاك له أسباب؛ فالنصر الكامل والعزة الكاملة
والنجاة الكاملة تكون بالإيمان الكامل والاتباع الكامل والتضحية الكاملة كما قال سبحانه : 

وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ  الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ

 [الحج: 40، 41]

ومدار ذلك كله على الصبر واليقين.

اللهم إن أهل غزة وإخواننا المستضعفين في فلسطين.. اللهم إنهم جياع فأطعمهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم مشردون فآوهم، اللهم إنهم حفاةٌ فاحملهم، اللهم إنهم فقراء فأغنهم، اللهم إنهم خائفون فآمن روعاتهم.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.