الحمد لله المتفرد بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، القائم على كل النفوس بآجالها، العالم بتقلبها وأحوالها، أحمده سبحانه وأشكره، نفذت في خلقه مشيئته، ومضت فيهم إرادته، فهم على أقدارهم يمشون، وبما تيسر لهم من الأعمال يعملون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أكمل به الدين وأظهره على جميع الأديان، صلى الله وسلم وبارك عليه ما تعاقب الجديدان، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان أما بعد اعلموا يرحمكم الله إن توفير المياه وحماية مصادرها ورعاية محطات تنقيتها أهداف سامية لكل دولة، فالمساس بها والعبث بها، وإهمالها يشكل خطرا على أمنها وحياة رعاياها، وإن عقيدتنا بربنا سبحانه وتعالى، وإعتمادنا عليه كبير، فهو سبحانه يصرف الماء بين الناس ليذكروا.
ولكن الأخذ بالأسباب، والسلوك على نهج رسولنا المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم في التوسط والقصد والبعد عن الإسراف هو المنهج الحق، لا فضل للأمة في أن تبدد خيراتها بيديها، ولكن الفضل كل الفضل أن تكون قوية مسيطرة على أمورها، متحكمة في نظمها، حازمة في تدبير شئونها، وإن الأمة تملك عزها، وتحفظ مجدها، بالحفاظ على ثرواتها ومواردها، والتحكم بما في يديها، وإن الأمة إذا وقعت في عسر بعد يسر، تجرعت مرارة الهوان المصحوبة بحسرات الندم، فالإسراف يفضي إلى الفاقة، وبالإسراف تهدر الثروات، وتقوض البيوتات، وفي عواقبه البؤس والإملاق، ويقول الله تعالي " ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون " والمسرف همته الوصول إلى متعته ولذته، ولا يبالي بمصيره ولا بمصير أمته، فيا عباد الله إن الماء مورد عظيم.
بل إنه من أكبر الموارد التي تحتاج إليها كل أمة في كثير من ميادين حياتها ومعاشها، ولقد ورد في شريعة النبي المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم الحث على المحافظة عليه، والإقتصاد في إستعماله، وتجنب الإسراف في إستخدامه وإستهلاكه في وجوه الإستخدامات كافة، شربا وطهيا وإغتسالا وغسلا، وغير ذلك، وتأملوا في سنة نبيكم المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم "فقد كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد " رواه أحمد ومسلم وغيرهما، وفي البخاري ومسلم " كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد" بل جاء عند مسلم من حديث السيدة عائشة رضي الله عنه " أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك" وفي رواية عند أبي داود من حديث أم عمار رضي الله عنها.
" أنه عليه الصلاة والسلام توضأ بماء في إناء قدر ثلثي مد " ولقد شدد أهل العلم رحمهم الله في المنع من الإسراف بالماء ولو كان على شاطئ النهر أو البحر، ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه " إقتصد في الوضوء ولو كنت على شاطئ نهر" وقال محارب بن دثار كان يقال من ضعف علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور، وجاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فقال يا إبن عباس كم يكفيني من الوضوء؟ قال مد، قال كم يكفيني لغسلي؟ قال صاع، فقال الرجل لا يكفيني، فقال ابن عباس رضي الله عنهما لا أم لك، قد كفى من هو خير منك، رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه أحمد، فيا أيها المسلمون لا بد من الأخذ بالحزم في هذا الشأن، فالله سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين، والمبذرون هم إخوان الشياطين.
إضافة تعليق جديد