رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 27 يوليو 2024 12:34 م توقيت القاهرة

الدكروري يكتب عن إذلال السائل نفسه لغير الله

بقلم / محمــد الدكـــروري
اليوم : الأثنين الموافق 27 نوفمبر

الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله تعضيما لشانه واشهد ان محمد عبده ورسوله الداعي الى رضوانه وعلى اله واصحابه وجميع اخوانه، لقد كان أصحاب محمد صلى اللهُ عليه وسلم عمال أنفسهم كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها، فها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه من أتجر قريش، وما قتل عثمان بن عفان رضي الله حتى بلغت غلة نخله مائة ألف، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يقول يا حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي" ولقد أنقسم الناس في الجملة فيما يتعلق بالكسب والعمل إلى أقسام متعددة، فقسم زعموا أن السعي في طلب الرزق والتكسب ينافي التوكل على الله تعالى، فلزموا القعود والتخلف عن طلب المعاش والسعي في الأرض فخالفوا بذلك ما أمروا به.

وأصبحوا عالة على غيرهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن متوكلون فيحجون فيأتون مكة فيسألون الناس فأنزل الله " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" وأما القسم الثالث من الناس فقد عملوا بالأسباب المباحة وتكسبوا من الرزق الحلال، إلا أن الدنيا شغلتهم عن أداء حق الله تعالى فخسروا دنياهم وآخرتهم، وقد قال الله تعالى " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منه وماله في الآخرة من نصيب" وأما القسم الأخير من الناس فهم الذين سلكوا الطرق المشروعة للكسب، وجعلوا مرضاة الله تعالى نصب أعينهم، فأخذوا ما لهم، وأدوا الحق الذي عليهم، وأنفقوا في سبيل الخير، وهؤلاء هم الذين " هدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد" 

وإن مما تفشى في هذه الأزمان كثرة التسول والسؤال في الطرقات والمساجد وفي غيرها، وفي أولئك القوم الأصحاء الأقوياء الأغنياء، وفيهم الضعفاء والمرضى والفقراء، وإن مما ينبغي أن يعلم نهي الإسلام عن التسول والمسألة، لما فيها من ضرر وخطورة وفساد على صاحبها، وما فيها من هضم لحقوق الآخرين في المجتمع، وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله " السؤال حرام في الأصل، وإنما يباح لضرورة أو حاجة مهمة قريبة من الضرورة، وإنما قلنا إن الأصل فيه التحريم لأنه لا ينفك من ثلاثة أمور محرمة، فالأول هو إظهار الشكوى من الله تعالى، إذ السؤال إظهار للفقر، وذكر لقصور نعمة الله تعالى عنه، والثاني أن فيه إذلال السائل نفسه لغير الله تعالى، وليس للمؤمن أن يذل نفسه لغير الله إلا لضرورة. 

الثالث أنه لا ينفك عن إيذاء المسئول غالبا، وقد دلت سائر أحداث التاريخ البعيد والقريب على أن الحضارة لا تزدهر، وأن الأمم لا ترتقي ولا تتقدم إلا في ظلال الاستقرار، الذي ينشأ عن استتباب الأمن للأفراد وللجماعات وللأمم، فإن قوامه في الإسلام حفظ التوازن بين أفراد المجتمع بحيث لا يجوز أن تستأثر فئة قليلة من الناس بخيرات المجتمع مما عبرت عنه الآية الكريمة فى سورة الحشر " كى لا يكون دولة بين الأغنياء" ولأن الإسلام دين الجماعة، ولأن فلسفته في التشريع قد جمعت بين المسئولية الفردية، فقال تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وقال تعالي " من يعمل سوءا يجز به" وبين المسئولية الاجتماعية والمجتمعية حيث توجه الخطاب إلي الناس والأمة والجماعة في غالب آيات الخطاب بالقرآن الكريم.

وفي هذه الفلسفة التشريعية تجاورت وتزاملت الفروض والتكاليف الفردية العينية مع الفروض، والتكاليف الكفائية الجماعية والاجتماعية والمجتمعية وتوجه الخطاب التكليفي إلي الفرد وإلي الجماعة وهى الأمة والناس، ولهذه الحكمة كان الأمن في الإسلام اجتماعيا ومجتمعيا واستحال أن تقف آفاقه عند حدود الفرد، دون الاجتماع الشامل للأفراد ضمن الجماعة، ذلك أن الإنسان كفرد مدني واجتماعي ومجتمعي بطبعه وحكم حاجاته، وأمنه الحقيقي وإن بدأ بدائرته الفردية فإنه لا يستقيم ولا يتحقق ولا يدوم إلا إذا عمت آفاقه الاجتماع والجماعة والعمران، والإنسان مطبوع الافتقار إلي جنسه واستعانته صفة لازمة لطبعه وخلقه قائمة في جوهره.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.