رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 19 مايو 2025 9:45 م توقيت القاهرة

بيوتٌ تنبض بالحياة.. بقلم / رمضان محمد

لا تضجروا من البيوت المزدحمة بالضجيج، ولا تضيقوا ذرعًا بتلك الفوضى العذبة التي ترافق تفاصيل العيش بين الجدران. فصوت الشجار بين الإخوة، وإن بدا مزعجًا، هو في حقيقته نشيد العائلة، وإيقاعها الذي لا ينتظم إلا بتنافره. وذاك الصغير الذي يجوب الغرف باحثًا عن فردة حذائه، ليس إلا برهانًا على أن في البيت من يركض، ومن يحلم، ومن يكبر.
تأملوا جيدًا... أكوام الصحون في حوض الجلي، الأكواب المبعثرة على الطاولة، وصينية الشاي التي بقيت كما هي منذ ليلة البارحة، ليست فوضى عبثية، بل شواهد على بيت ما زال حيًّا، تتردد فيه أنفاس من يحبون ويُحبّون.
كل صباح، قبل أن تفتح الشمس عينيها، تبدأ الحياة عرضها اليومي: هرولة على باب الحمّام، إعداد ساندويتشات على عجل، ضفائر تُجدَل، أحذية تُلمَع، كتبٌ توزّع، وقلوبٌ تُقبّل وهي تودّع صغارها نحو أبواب المدارس. ثم يسكن الضجيج، ويبدأ صخب آخر: تنظيف، ترتيب، واجبات، أناشيد، مسائل رياضيات، وانتظار طويل حتى تعود الضحكات من جديد.
لكن، صدقًا، ما يبدو لنا فوضى مرهقة اليوم، سيغدو غدًا ذكرى عذبة... ذكرى سنشتاق إليها بكل تفاصيلها.
سيكبر الصغار. سيتراجع الضجيج خطوة خطوة، ويعلو الصمت في الأركان. ستغادر الألعاب أماكنها ولا تعود، لأن من كانوا يلهون بها باتت لهم أحلام أكبر، وخطوات تمتد نحو المدى.
سيرحلون... واحدًا تلو الآخر. بعضهم إلى بيت جديد، وبعضهم إلى مدينة بعيدة، وربما إلى قارة لا نعرف منها سوى اسمها. وسيبقى البيت، واسعًا هادئًا، ينتظر وجوهًا ألفها ذات صباح، وينصت للباب علّه يُفتح، فتدخل منه الضحكات القديمة.
سيحين وقت نتمنى فيه صخبًا قديمًا... أن يعود أحدهم ليشكو من أخيه، أو ليطلب حذاءه، أو ليزاحم على الأريكة. سيمضي العمر، وسنشتاق إلى أصواتهم ليملأوا ليل البيت من جديد.
فلا تتأففوا من الضجيج.
استمتعوا بأطفالكم، بكل لحظة ضاجة، بكل فوضى محببة، بكل سؤال متكرر، وبكل "ماما" و"بابا" تترددان على مسامعكم كتراتيل المحبة.
فالبيت حين يغيب عنه الضجيج، تغيب عنه الحياة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.