الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وحجة الله على الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد، قيل أنه كان الحسن بن صالح يقوم الليل هو وجاريته فباعها لقوم، فلما صلت العشاء افتتحت الصلاة، فما زالت تصلي إلى الفجر، وكانت تقول لأهل الدار كل ساعة تمضي من الليل، يا أهل الدار قوموا، يا أهل الدار قوموا، يا أهل الدار صلوا، فقالوا لها نحن لا نقوم إلى الفجر.
فجاءت إلى الحسن بن صالح الذي باعها وقالت له بعتني لقومٍ ينامون الليل كله، وأخاف أن أكسل من شهود نومهم، فردّها الحسن رحمة بها ووفاء بحقها" وكان لبعض السلف عشرة مع العبادة حتى إنه ليذرف الدموعَ على فراقها إذا نزل به الموت، ولما نزل الموت بالعابدة أم الصهباء بكت، فقيل لها مم تبكين؟ فقالت بكيت حينما تذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر، بل كانوا يتهمون أنفسهم بالذنوب إذا ما أصابهم الكسل عن العبادة، وقال الثوري " حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته " وجاء رجل للحسن البصري قال يا أبا سعيد، إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم ؟ فقال ذنوبك قيدتك، أي إخواني متى نشعر بالسعادة حينما نلقي بجباهنا على الأرض لله تعالى، متى نعوّد أنفسنا أن نشتاق للقاء ربنا في صلاتنا وذكرنا.
متى تحلق قلوبنا في السماء طربا وفرحا حينما نبذل الصدقة السخية لا نبالي الفقر أو المسكنة ومتى نعود على صدورنا بالراحة حينما نخفض جناح الذل لوالدينا وأهلينا؟ فإنها العبادة عباد الله فهي طريقنا إلى الفلاح والنصر والشفاء، فهنيئا لنا سلوكها وتوخي طريقها لأنفسنا وأزواجنا وأولادنا، فيا عباد الله إن من رحمة الله تعالى علينا أن جعل لنا من أمرنا كله عبادة نتقرب بها إليه، ألسنا نأكل، وألسنا نشرب وألسنا ننام وألسنا نسعى لطلب الرزق والمعيشة، وألسنا نقوم على النفقة على الأهل والذرية، فكل هذه الأمور إذا سرنا فيها على منهج النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم تحولت إلى عبادة نؤجر عليها، بشرط الإخلاص لله تعالى، وإن مما يعينك أخي الكريم على العبادة هو أن تعلم ما أعده الله تعالى من جزاء عليها، فهذا يعينك على رفع الهمة في المواصلة عليها.
فمن منا يتخيل كم أعده الله تعالى للمسلم من أجر في زيارة المريض أو تشييع الجنائز أو الصلاة علي الميت أو الإنفاق أو البر والإحسان، هذا ولنحرص على التوسط في العبادة، دون إفراط ولا تفريط، كما هي سنته صلى الله عليه وسلم، ولنتذكر أخير أن علينا أن نعرف أننا ما خلقنا إلا لعبادة ربنا في كل أحوالنا، فلنعبده ولنصطبر على عبادته، هذا وأسأل الله أن يطهر قلوبنا من الغلّ والحقد والحسد، ويزيل عنها البغضة والشحناء، وأن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا ومن تحت أرجلنا، اللهم ارفع الضر عن المتضررين منالمسلمين، اللهم ارفع عنهم القتل والاقتتال، وارفع عنهم الخوف والجوع، وأعذهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم من كان منهم حيا فبارك له في عمره وعمله وصحته.
ومن كان منهم ميتا فارحمه وتجاوز عن سيئاته، واجعله في قبره منعما، اللهم قاتل النصيريين والحوثيين والخوارج، ومزقهم شر ممزق، اللهم احفظ رجال الأمن وجند البلاد في كل موقع ومكان، وانصر بهم الإسلام والمستضعفين، واقمع بهم المفسدين والمعتدين، إنك سميع مجيب.
إضافة تعليق جديد