بـقـلـم/سـامـي بـوادي
في حياتنا اليومية، قد نجد أنفسنا في مواقف تحتاج إلى إثبات حق أو دفع تهمة، سواء في معاملاتنا المالية أو نزاعاتنا الشخصية. لكن هل تساءلت يومًا: من المسؤول عن إثبات ما يدّعيه في هذه المواقف؟
هذا السؤال هو ما يجيب عليه مبدأ قانوني بسيط لكنه بالغ الأهمية يُسمى "عبء الإثبات".
ماذا يعني عبء الإثبات؟
الفكرة الرئيسية هي أن كل طرف في النزاع يحمل على عاتقه عبء إثبات ما يدعيه، لأن القضاء لا يمكنه الحكم دون وجود دليل قانوني مقنع. إذا فشل أي طرف في تقديم الأدلة الكافية، غالبًا ما يُحكم ضده لصالح الطرف الآخر.
ببساطة، عبء الإثبات يعني أن الشخص الذي يطالب بشيء عليه أن يُثبت صحته بالأدلة. فإذا رفعت قضية في المحكمة تطالب فيها بحق معين، فمن واجبك أن تقدم أدلة قوية تُثبت أنك تستحق هذا الحق. لأن القانون لا يعتمد على الأقوال فقط، بل يتطلب من كل شخص إثبات ما يدّعيه بالأدلة التي يقبلها القضاء.
تخيل معي أن شخصًا ما يدين لك بمبلغ من المال ورفض أن يدفعه. إذا قررت رفع قضية ضده، فعليك أن تثبت أنك قدمت له هذا المال وأنه لم يسدده. هنا، يقع عبء الإثبات عليك كدائن، لأنك من يدّعي وجود الدين.
على الجانب الآخر، إذا جاء المدين إلى المحكمة وادعى أنه دفع المبلغ كاملًا، فإنه يتحمل هو الآخر عبء إثبات ادعائه بتقديم دليل على أنه سدد الدين، مثل إيصال أو شهادة دفع.
هذا المثال يقودنا الي تساؤل لماذا عبء الإثبات مهم؟
لنفترض انه لو لم يكن هناك قاعدة واضحة تحدد من يجب أن يقدم الأدلة في النزاع! ماذا سنجني؟!
ستكون الفوضى، وقد يعجز الكثير من الناسعن الحضول على حقوقهم. لهذا السبب، يساعد القانون في تنظيم هذه العملية بوضوح.
فالمبدأ الأساسي هو: "من يدّعي شيئًا غير مألوف أو غير معتاد عليه إثباته".
والأصل أن الشخص بريء من الديون والتهم إلى أن يُثبت العكس. فإذا كنت تطالب بحق، عليك أن تُثبت أنك تستحقه. وإذا كنت تدافع عن نفسك،بعد تقديم الاخر مايفيد كونك مدين له بثمة حقوق عليك أن تقدم أدلة تدعم موقفك.
والقانون المصري حدد هذا المبدأ بوضوح في المادة الأولى من قانون الإثبات، والتي تنص على أن:
"على الدائن إثبات الالتزام، وعلى المدين إثبات التخلص منه".
هذا يعني أن الطرف الذي يطالب بالحق (الدائن) يجب أن يُثبت وجوده، بينما الشخص الذي يحاول التخلص من هذا الحق (المدين) عليه إثبات أنه قام بما يلزم لإنهاء الالتزام.
وبهذا يتضح لنا ان مبدأ عبء الإثبات هو جزء أساسي من تحقيق العدالة في أي نظام قانوني. لانه يضمن أن كل شخص يجب أن يقدم أدلة تدعم ما يدّعيه، ويُساهم في تنظيم عملية الوصول إلى الحقيقة. وبدون هذا المبدأ، سيكون من السهل جدًا رفع دعاوى بدون أساس قوي، وستكون القضايا أكثر فوضى وتعقيدًا.
لذلك نقول ان عبء الإثبات لا يُلقى عشوائيًا على أحد الخصمين؛ بل يتم تحديده بناءً على من يدعي أمراً مخالفًا للأصل، وهذا يعني أن الأصل في المسائل القانونية هو البراءة أو خلو الذمة، ومن يدّعي خلاف ذلك عليه أن يثبت دعواه.
لذا في المرة القادمة التي تجد فيها نفسك في موقف يحتاج إلى إثبات حق أو دفع اتهام، تذكر: على من يدّعي شيئًا أن يُثبت صحته.
إضافة تعليق جديد