الحمد لله إستوى على عرشه فوق سبع سموات طباق وجعل الأرض مهدا وأجرى فوقها ماء يراق، أحمده سبحانه وأشكره حث على الألفة والوئام والوفاق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد عباده المؤمنين المتقين جنات بها ثمر حلو المذاق، وتوعد من أعرض عن دينه بعذاب في النار لا يطاق، وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله بغض للأمة أمر الطلاق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد كيف يفتري الإنسان على الناس الأكاذيب، ويختلق عليهم التهم، ويرميهم بالأقاويل التي لم يقولوها، وينسب إليهم الأفعال التي لم يفعلوها؟ هل يرضى لنفسه هذا؟ وهل يرضى أن يفعل به الناس كما يفعل بهم؟ ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله " في آخر الزمان قوم بهاتون، عيّابون فإحذروهم، فإنهم أشرار الخلق، ليس في قلوبهم نور الإسلام.
وهم أشرار، لا يرتفع لهم إلى الله عمل" بل إن الإفتراء يدخل حتى في باب المنامات والرؤى، فهناك أناس يحبون أن يفتروا على الناس بسرد رؤى يدّعون أنهم رأوها، وهم لم يروها، ويروون حكايات وأحلام ثم ينسبونها لأنفسهم افتراء وزورا، وقيل في ذلك أنه "يري عينه ما لم ترى" أي أنه يدعي أنه رأى شيئا في المنام وهو لم يره، وعظم ذنبه لأنه كذب على الله تعالى، لأنه ادعى الرؤيا الصادقة وهي من الله تعالى وجزء من النبوة، بينما هو في الحقيقة لم ينل شيئا من ذلك، بل يفتري الإنسان أحيانا على زوجته أمام أهلها أو أمام أهله، ويقول أنها مقصرة في كذا وكذا وهي غير مقصرة، أو هي تفتري عليه وتقول رجل بخيل ورجل كذا وكذا، مع أنه رجل كريم وينفق عليها، ويعطيها ما يكفيها، ويحصل هذا أيضا بين الأخ وأخيه، وبين الجار وجاره، والصديق وصديقه.
ولكن كل هذه الإفتراءات تنتهي وتزول، ولا يبقى في النهاية إلا الحق والصدق، ومن أشهر قصص الإفتراء هو الإفتراء العظيم، والبهتان الكبير، الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم في حق أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، عندما أتهمها أهل النفاق والإفك والإفتراء بفاحشة الزنا، وأنزل الله في براءتها آيات تتلى إلى يوم القيامة، ومن ذلك قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وكان أميرا على الكوفة، فشكوه إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فأرسل عمر لجنة لتقصي الحقائق، فكانت هذه اللجنة تنزل في كل مسجد من المساجد، يسألون أهل المسجد ما رأيكم في أميركم سعد بن أبي وقاص؟ قالوا والله ما نعلم عنه إلا خيرا، فلما جاءوا إلى مسجد بني عبس قام رجل اسمه أسامة بن قتادة وقال أما إذ سألتنا فإن سعدا كان لا يسير بالسرية.
ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، فقام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقال اللهم إن كان عبدك هذا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن، فدعا عليه بدعوة جامعة، فطال عمر هذا الرجل حتى سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وافتقر حتى كان يتكفف الناس في الأسواق نسأل الله السلامة، وأصيب بالفتن حتى كان يجلس في الشوارع يتعرض للجواري ويغمزهن، وإذا قيل له ذلك قال شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فالحذر الحذر من هذه الآفة العظيمة، وهذا الذنب الكبير، ذنب الافتراء، وإتهام الآخرين بالباطل والزور، وهذا وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم جل جلاله بالصلاة والسلام عليه، واللهم أعذنا من الإفتراء والبهتان، ونجنا من الكذب والزور والعصيان، وحبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا يا رحيم يا رحمن.
إضافة تعليق جديد