بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الخميس الموافق 7 ديسمبر
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمدا عليه الصلاة وأتم التسليم، أما بعد إن من عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية، هو مجيء كثير من أحكام الشريعة الإسلامية الخاصة بالجوانب المعاشية في صورة قواعد عامة ومبادئ كلية، فإذا كانت أحكام الشريعة الإسلامية قد جاءت تفصيلية واضحة فيما يتصل بجوانب العقائد والعبادات والمواريث وغيرها من الأمور التي تتسم بالثبات، حيث لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، ولا تتطور بتطور البيئات والأزمان فإنها قد جاءت في صورة قواعد عامة ومبادئ أساسية كلية، وذلك فيما يتصل بكثير من الجوانب المعاشية كالاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية وغيرها.
مما يكون عرضة للتطور بتطور الأزمان والمجتمعات، وفي هذا من السعة والمرونة ما يضمن تحقيق مقاصد الشريعة، بما يتناسب مع ظروف الناس وأحوالهم، ونجد على سبيل المثال أن الإسلام قد أمر بالشورى وحث عليها، كما جاء في القرآن الكريم وسنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم القولية والعملية، ولكنه في الوقت ذاته لم يلزم المسلمين بوسيلة محددة يتم من خلالها تحقيق مبدأ الشورى، بل ترك الباب مفتوحا أمام المسلمين ليختاروا من الوسائل المباحة شرعا ما يتلاءم مع واقعهم، حتى وإن لم تكن معروفة في عصر النبوة والخلفاء الراشدين كوسيلة الإستفتاء التي نراها في عصرنا مثلا، المهم هو أن يتحقق مطلب الشرع ومقصده بتطبيق وتنفيذ مبدأ الشورى بضوابطه الشرعية.
وأن ينتفي الاستبداد بكل صوره وألوانه من حياة الناس في المجتمع الإسلامي، وقد تُطلق الحدود ويراد بها نفس المحارم، وحينئذ فيقال لا تقربوا حدود الله كما قال تعالى في سورة البقرة " تلك حدود الله فا تقربوها" وقد تسمى العقوبات المقدرة الرادعة عن المحارم المغلظة حدودا، كما يقال حد الزنا، وحد السرقة، وحد شرب الخمر، وأما المسكوت عنه، فهو ما لم يُذكر حكمه بتحليل ولا إيجاب ولا تحريم، فيكون معفوا عنه، لا حرج على فاعله، وقوله في الأشياء التي سكت عنها "رحمة من غير نسيان" يعني أنه إنما سكت عن ذكرها رحمة بعباده ورفقا، حيث لم يحرمها عليهم حتى يعاقبهم على فعلها، ولم يوجبها عليهم حتى يعاقبهم على تركها، بل جعلها عفوا، فإن فعلوها فلا حرج عليهم، وإن تركوها فكذلك.
وجدير بالذكر أن دائرة العفو، أو المسكوت عنه، واسعة في مجال التشريع، وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن من مصادر التشريع الإسلامي الاستصحاب، ومعناه في اصطلاح الأصوليين الحكم على الشيء بالحال التي كان عليها من قبل، حتى يقوم دليل على تغير تلك الحال، أو هو جعل الحكم الذي كان ثابتا في الماضي باقيا في الحال حتى يقوم دليل على تغيره، ومن القواعد الشرعية التي بناها العلماء على الاستصحاب أن هو أن "الأصل في الأشياء الإباحة" فكل أمر لم يرد بشأنه حكم لا في الكتاب ولا في السنة، ولا في المصادر الأخرى، فإنه يحكم بإباحته بناء على مبدأ استصحاب الحكم الأصلي للأشياء، وهو الإباحة، وهذا الأصل وأمثاله من شأنه.
أن يجعل الفقهاء في سعة، ويخلصهم من مواقف الحيرة والتردد، ويفتح لهم طرقا يصدرون بها الفتوى في يسر، وينفذون منها إلى الفصل في القضايا في سرعة، زيادة على ما فيه من الدلالة على سماحة الإسلام، وأنه دين الفطرة، الذي لا يشعر المستظلون بلوائه بحرج فيما شرع لهم من أحكام".
إضافة تعليق جديد