رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 25 أبريل 2024 8:01 م توقيت القاهرة

بسمة أمل من بلادي ..... بقلم د/ هدى رأفت

بسمة أمل من بلادي

الشاب العشريني محمد أحمد الكيلاني و4 آخرين من ذوي إعاقات مختلفة ممن تحدوا عجزهم بالسير من القاهرة إلى العين السخنة مسافة 100 كيلومتر على مدار 3 أيام بمعدل 35 كيلومترًا يوميًا، ولم يكن يتوقع أن ينجح في الوصول إلى خط النهاية بساق صناعية، ليثبت للجميع أن الإعاقة ليست في الذراعين والقدمين، الإعاقة هي ألا تسعى وراء ما تريد تحقيقه.

كانت حياة الكيلاني تسير بشكل إعتيادي أشبه بالروتين، لا جديد يُذكر أو أهداف وإنجازات تُحقق أو حلم يعيش عليه طوال العشرين عامًا يمنحه الطاقة التي تصل به إلى ما يريد، ولم يكن متفوقًا في أي شىء يتذكره في أوقات الإخفاق، بل كان يعيش حياته مثل أي مواطن آخر لا يعرف ماذا يريد أو يخطط لمستقبله القريب حتى وقعت الحادثة الكبرى التي غيرت من حياته وأعادت إليه الأمل من جديد.

ذلك اليوم الفاصل في حياته و الذي يتذكره محمد أحمد الكيلاني جيدًا ولم تغب مشاهده عن ذاكرته يومًا ما ، ففي اليوم الأول من شهر ديسمبر 2011 حين خرج من بيته الكائن في أشمون بمحافظة المنوفية متوجهًا إلى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر في مدينة طنطا، عبر القطار المزدحم بالركاب و تعثرت قدماه عن الصعود إلى عربة القطار فإنزلقت إحدى قدميه بين القطار والرصيف ومن شدة إهتزاز القطار سقط على القضبان وأغرقت الدماء ملابسه وفوجئ بنصف ساقه اليمنى مفصولة عن جسده وتهتكت قدمه بالكامل، ليتم نقله بالإسعاف إلى المستشفى حتى بترت قدمه اليمنى.

يتذكر الكيلاني صاحب الـ25 عامًا والإبن الوحيد على 6 بنات ذلك اليوم بكل تفاصيله وكل لحظة منذ بداية الحادث حتى منتصف الليل وخروجه من العمليات لم يفقد الوعي لحظة حتى أثناء عملية البتر رغم أن الذهول والصمت كان يخيم على وجوه الأقارب كلهم، فالوالد رفض فكرة "بتر القدم" بشكل نهائي ، والوالدة كانت تواسي نجلها بعبارات: "ماتخافش يا إبني هتركب شرائح وإن شاء الله ترجع تمشي تاني كويس"، رغم أن كل الطرق كانت تؤدي إلى البتر، وحين كررها طبيب الطوارئ بدأت الأم في الصراخ وأغمي عليها من هول الصدمة.

ويتذكر الوالد تلك اللحظة ويذكره بها حتى الآن ويقول له: "إحنا كنا بنموت من القلق عليك وانت كنت طالع من غرفة العمليات بتضحك" ودخل الوالد في حالة إكتئاب شديدة بسبب حالته وما وصل إليه، موجهاً له نظرات اللوم والعتاب تارة ونظرات الشفقة والعطف تارة أخرى.

تحولات في حياته

"لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها".. ما تزال تلك الآية القرآنية الكريمة بكل معانيها ترّن في ذهن الشاب العشريني الذي أخبروه بعد خروجه من غرفة العمليات بتعرض شاب آخر لنفس المصير الصعب الذي مرّ به ومات بعد لحظات وقال: "حمدت ربنا إن لسه فيّ الروح وكان عندي يقين وأمل إن ده خير من ربنا بس المهم إني أتحمل وأصبر على هذا الإبتلاء".

يروى ذلك الشاب المثابر أنه بعد الحادثة تحولت حياته بنسبة 180 درجة كاملة، وقرر أن يثبت للجميع أن إعاقته لن تقتله أو تضعفه أو تطفئ حلمه، بل ستكون دافعًا قويًا له لتحقيق أحلامه وإثبات ذاته، وبدأ يفكر في تركيب طرف صناعي لقدمه بعد 6 أشهر من جراحة "بتر" قدمه اليمنى، وبمرور الوقت تأقلم مع ذلك الجهاز التعويضي وبدأ يمارس الرياضة و إلتحق بجيم "فيتولوجي" لإعادة تأهيل ذوي الإحتياجات الخاصة ، كما ترك دراسته الجامعية القديمة التي لم يكن يحبها و إنتقل إلى القاهرة للعيش فيها والتحق بكلية الحاسبات والمعلومات بإحدى الجامعات الخاصة، وبدأ يعتمد على ذاته كليًا و إستأجر شقة مع مجموعة من زملائه لتساعده على إنهاء دراسته التي تفوق فيها بصورة كبيرة وحاز خلال السنوات الأربع من الجامعة على تقدير عام جيد جدًا.

لم تكن الشهادة الجامعية هي نهاية الطريق بل كانت البداية لمشوار الألف ميل الذي بدأ، ونظرًا لإعاقته عانى كثيرًا في البحث عن وظيفة ثابتة تتوافق مع شهادته الجامعية ، وفي أثناء البحث عن عمل عرضوا عليه في إحدى الشركات أن يعمل لديهم ضمن نسبة الـ5% المخصصة لذوي الإعاقة على أن يجلس في البيت ولا يعمل ويأخذ راتبه كاملًا ورفضها مرتين حتى جاءته الفرصة أخيرًا و إلتحق بالعمل في مجال تخصصه في الـ"IT" - تكنولوجيا المعلومات-، و إستقر في وظيفة ثابتة، وفي زحام العمل اليومي لم ينس دراسته فأكمل تعليمه وقدم على الدراسات العليا في الأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا للحصول على الماجستير فى نظم المعلومات.

رحلتي مع الجري

رحلة الكيلاني مع الرياضة بدأها بالصدفة البحتة، حين كان يشاهد أحد سباقات الجري التي كان ينظمها فريق "كايرو رانرز" Cairo Runners كل أسبوع أو أسبوعين لمسافات قصيرة 4 أو 5 كيلومترات تقريبًا في غضون ذلك بدأت الغيرة تتحرك في داخله وشاركهم الجري ، بل تفوق على كثير من المتسابقين الأصحاء حتى شعر أنه يطير من السعادة ، هنا عرض عليه المنظمون لسباق الجري فكرة المشاركة في ماراثون "الجونة الدولي" للجري مسافة 7 كيلومترات ولم يصدق أنه سيشارك فيه أو حتى يقطع 4 أو 5 كيلومترات، ولكنه شارك ووصل إلى نهاية السباق وحقق مركزًا متقدمًا 188 من بين 240 متسابقًا، وكان هذا إنجازًا كبيرًا بالنسبة لأنه كان المتسابق الوحيد من ذوى الإحتياجات الخاصة المشاركين بطرف صناعي . "مافيش شىء أصعب على ذوي الإعاقة من الجري والحمد لله إحنا كسرنا المستحيل".. يقول الكيلاني الذي لم يتوقف شغفه أو يفقد حماسته لحظة نحو تحقيق حلمه. وقرر المشاركة في ماراثون القاهرة في فبراير الماضي لمسافات تتراوح ما بين 10 و22 و42 كيلومتراً وهي المرة الأولى التي يتم مشاركة ذوي الإعاقة في ماراثون "بارالمبي" لمسافة 3 كم وحصد خلالها المركز الأول وهي المرة الأولى التي يجري فيها متسابق بطرف صناعية. تكررت التجربة بعد ذلك حين إقترح جيم "فيتولوجي" مركز لياقة بدنية لإعادة تأهيل ذوي الإعاقات مسابقة للسير مسافة طويلة 100 كيلومتر من القاهرة حتى العين السخنة وعرضوا عليه الفكرة منذ شهرين، ووافق عليها و إنضم إلى فريق مكون من 5 أفراد أحدهم مصاب بشلل نصفى وأخرى كفيفة وثالث لديه نسبة إعاقة فى اليد والقدم ورابع لديه شلل أطفال وهو يجري بطرف صناعي.

رسالة أخيرة

"نعم ربنا كتير على الواحد وكان المشي من أجل هدف معين هو تحدي الإعاقة حتى نثبت للعالم أن الإعاقة إعاقة فكر وليست إعاقة جسد وأن الإرادة تصنع المستحيل".. يقول الكيلاني إنه لم يكن يتوقع أن يصل للنهاية ولكن كان يراوده شعور داخلي بأن يخوض التجربة طالما أخذ القرار. المفاجأة التي لم يكن يتوقعها ذلك الشاب العشريني كانت بعد نجاحه مع 4 متسابقين آخرين في قطع مسافة 100 كيلومتر بساق صناعية بمعدل 35 كيلومترا يوميًا، أثناء مشاركته في مهرجان المشي من القاهرة إلى العين السخنة، ليكون بذلك أول مصري وعربي يقطع تلك المسافة الطويلة في غضون 3 أيام على طرف صناعي .

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.