رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 17 مايو 2024 4:54 ص توقيت القاهرة

زهرة من الروضة النبوية السيدة عائشة بنت الإمام جعفر الصادق

إعداد/ محمد أحمد محمود غالي

عروس آل البيت السيدة عائشة هي: "السيدة عائشة بنت الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام على زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه". وشقيقها سيدنا إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق زوج السيدة نفيسة حفيدة سيدنا الحسن، وشقيقها أيضا الإمام موسى الكاظم الذي يعده الشيعة الإمام السابع بعد جعفر الصادق. ولدت السيدة عائشة في بيت نقي شريف وطاهر يستمد نقاءه وطهارته من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان مولدها بالكوفة عام ١٢٥ هجري من حميدة خاتون إحدي زوجات جعفر الصادق المشهورة بورعها وتقواها، وكان والدها الامام جعفر الصادق عميدا لآل البيت بعد استشهاد الامام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين. عاشت السيدة عائشة فى كنف أبيها الإمام جعفر الصادق، عاصرت معه ميلاد الدولة العباسية بقيادة أبوالعباس عبدالله الشهير بـ«السفاح»، ثم انتقال الخلافة من بعده إلى أخيه «أبوجعفر المنصور». كان العصر الذى عاشه الإمام جعفر الصادق، عصر صراع مرير بدأ بالدعوة التى قادها العباسيون دفاعاً عن حق أهل البيت فى الحكم، والتى شكلت الأساس الأدبى للصراع الذى خاضوه ضد الأمويين حتى أزالوا دولتهم، ثم أخذ الصراع شكلاً داخلياً بين الفرعين «العباسي» أحفاد العباس بن عبدالمطلب عم النبى، و«العلوي» أحفاد علي بن أبى طالب من أهل البيت. تمكن الفرع العباسي من حسم الصراع لصالحه منذ اللحظة الأولى التى رأى فيها أبوالعباس أن فرعهم العائلى هو الأجدر بتمثيل بيت النبوة فى الحكم، وأنكر أى حق لـ«علي» وأبنائه فى ذلك، وقد تبنى الفكرة نفسها خليفته فى الحكم أبوجعفر المنصور، لكن تهميش الفرع العلوي فى الحكم لم يرض الكثير من الرموز التى حملت على كاهلها فى ذلك الوقت إسقاط الحكم الأموى والدعوة لحكم أهل البيت. فقد رفض «أبوسلمة الخلّال»، أحد أكبر الدعاة لحكم أهل البيت، هذا الطرح، وبدأ يرتب للإطاحة المبكرة بالعباسيين، لكن «السفاح» عاجله وقتله، ثم كان التمرد الأكبر والأخطر الذى حدث على يد «أبومسلم الخراسانى» فى عهد «أبوجعفر المنصور»، وقد التف حوله آلاف المناصرين لحق الفرع العلوى من بيت النبوة فى الحكم، ولم يجد «المنصور» بداً من الحيلة، فاستدرجه إلى قصر الحكم بعيداً عن مناصريه، واغتاله، وألقى بجثته فى ماء دجلة. بعد اغتيال «الخراسانى» قطعت الذراع العسكرية التى كانت تدافع عن حق الفرع العلوى، وبدأت رحلة اضطهاد جديدة لأحفاد على بن أبى طالب. فى ظل هذه الأجواء انسحب جعفر الصادق من العمل السياسى وتفرغ للنشاط العلمى، وتميز فى هذا المجال أيما تميز، سواء على مستوى علوم الدين أو علوم الدنيا، وأسس مدرسته الفقهية الشهيرة. لكن الحياة لم تخل من منغصات ومطاردات، ساقت ابنته السيدة عائشة رضى الله عنها إلى الهجرة إلى مصر، عاشت السيدة عائشة بالكوفة حتى تولي الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور الحكم لترحل لمصر بعد تزايد بطشه بآل البيت. فعاشت بمصر عدة أشهر، ثم توفاها الله، واحتضنها تراب المحروسة. تجربة السيدة عائشة فى مصر تشبه تجربة السيدة زينب بنت على، إذ لم تكمل العام بالبلاد حتى وافاها الأجل، وقوبلت عند وصولها بما تعوّد عليه المصريون من احتفاء بأهل البيت. الراجح أن السيدة عائشة رضي الله عنها عاشت بمصر أقل من عام، ولما توفيت فى العام ١٤٥ هجرية لم يكن عمرها يزيد على ٢٢ عاما، أى أنها ماتت فى عز شبابها، ولم تكن قد تزوجت بعد على أرجح الآراء، ولذلك أطلق عليها المصريون لقب "عروس آل البيت". والراجح كذلك أنها جاءت إلى مصر هربا من بطش الخليفة العبـــــــــــــاسى أبو جعفر المنصور، وفى أعقاب تنكيله بآل بيت النبى فى مقتلة "فج" على أطراف مكة، ومعنى ذلك أن السيدة عائشة بنت جعفر ماتت فى حياة أبيها الإمام جعفر الصادق، الذى توفى فى العام ١٤٨ هجرية ودفن بالبقيع فى المدينة المنورة، وقال عنه الإمام مالك: "ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر فضلا وعلما وعبادة وورعا". كان الامام جعفر يحذر عمه زيد بن علي زين العابدين من نفاق وكذب من طلبوا مبايعته بالكوفة ويذكره دائما بما حدث لجدهما الحسين رضي الله عنهما فكان العم يقتنع ولكنه في الوقت نفسه لم يستطع السكوت طويلا على استبداد وطغيان بني أمية الى درجة ان ابن الشقيق (الامام جعفر) بدأ هو الآخر يدعو الناس الى ضرورة اتباع العم خصوصا لأنه يطالب بمبادئ جدهما الحسين وكان اسلوبه احياء السنن ورفض البدع ولذلك لم يجمع الناس على حب احد كما اجمعوا على حب الامام جعفر الصادق.
وسط هذا الجو وهذه البيئة شبت وترعرعت السيدة عائشة التي عاشت الاحداث ورأت والدها وهو يرفض الخلافة بعد سقوط دولة بني أمية ومطالبة الثوار له بقبول البيعة ليصبح أميراً للمؤمنين.. حتى اذا بايعوا أبا العباس حفيد الصحابي الجليل عبدالله بن عباس وهم بنو عمومة العلويين اطمأنت واستبشرت خيرا بعصر جديد يتطلع فيه الناس الى الحرية والطهارة والعدل وهذا ما كان الناس يتطلعون اليه. لكن استبشارها لم يكتمل فقد رأت المنافقين والانتهازيين الذين زينوا الظلم والاستبداد للأمويين من قبل وشرعوا وقننوا لهم العدوان والطغيان، يحتفون من جديد بالخليفة ابي العباس ويزينون له ما كانوا يزينون لغيره من الأمويين.
وكانت تسمع وترى وتشارك في الرأي وتناقش الذين يحضرون الى بيت ابيها الامام جعفر الصادق يشكون له ما آلت اليه أمور الدولة بفعل هذه الفئة الفاسدة التي تحيط بالخليفة، حتى لقد جعلوا المنصور يوما يحمل الناس على تقبيل الارض بين يديه!!
وهكذا كان كل نشاطهم العقلي للنفاق والتملق والاستغلال.. وكانت السيدة عائشة تسأل أباها: أي أمل للناس في الخليفة وقد اصبحت الشورى لذوي الضمائر الخربة والألسنة المستهلكة؟!
وأي سوء بعد ان مضى المحطيون بالخليفة المنصور يدعون الى التقشف باسم الاسلام ويحببون الفقر الى الناس باسم الدين لينصرفوا هم الى جمع المال ويعيشوا في حياة الترف والبذخ؟!
لقد رأت كيف استطاع هؤلاء المنافقون ان يواجهوا اسراف وبذخ الطبقة الحاكمة بالزهد في كل شيء والانصراف عن كل حق وليس باستخلاص الحق المعلوم الذي شرعه الله وأقره نبيه وكثيرا ما كانت تطلب تفسيرا لذلك من أبيها وامامها فكان ينصحها الا يجهر المرء بما ينتقد اتقاء للاذى حتى تتحسن الاحوال وكان ينصحها بأن تنصرف الى العبادة حتى اصبحت من العابدات القانتات المجاهدات حتى يؤثر عنها انها كانت تقول مخاطبة الله عز وجل: وعزتك وجلالك لئن أدخلتني النار لآخذن من توحيدي بيدي فأطوف به على أهل النار وأقول وحدته فعذبني!!
وظلت على هذا الحال بجوار والدها الذي كان يؤدي دوره في تنوير العقل الى ان جاءت الى مصر في عام ١٤٥ هجرية لتعيش آمنة مطمئنة، بعد ان تعلمت من والدها وامامها ذلك التسامح الذي يرفض الخصومة في الدين والتعصب المكروه بكل صوره والاعتماد على الأدلة العلمية في الحكم والاستقراء والاستنباط وليس على المسلمات او السماعيات كذلك كانت تستمع اليه حيث يعلي من شأن حكم العقل في القضايا التي لا يوجد لها حكم في الكتاب او السنة حيث كان يقرر في هذا الصدد انه اذا كان هدف الشريعة تحقيق المصلحة للبشر وان العقل قادر على التمييز بين الخير والشر، بين المصلحة العامة او ما يقابلها فإن العقل يهدي الى ما فيه خير البشر فيأخذونه او عما فيه ضررهم فيتركونه. وسمعت منه ايضا ان الاعتماد على العقل واحكامه هو الطريق الصحيح الى الله عز وجل.. لقد أمر الله بالعدل والاحسان ونهى عن المنكر والفحشاء والعقل وحده هو الذي يحدد للانسان كيف يتبع العدل والاحسان، وكيف يقاوم المنكر والفحشاء، وكيف ينفذ ما أمرنا الله تعالى به من التكاليف الشرعية. بل كان رضي الله عنه يتجاوز ذلك في احاديثه الى القول بحرية الارادة الانسانية والى الدفاع عن حرية الرأي والاعتقاد التي هي اساس قدرة الانسان على تنفيذ أمر الله بالمعروف ونهيه عن المنكر وان حرية الانسان هي اساس مسؤوليته امام الله سبحانه وتعالى فالله عز وجل يحاسب المرء على ما يفعله لا على ما قضى وقدر فيحاسبه عن ذنبه ولكن لا يحاسبه عن مرضه فالمرض هو وحده الذي يقدره للانسان.
هذه القيم والمبادئ كانت تسمعها السيدة عائشة من والدها سواء كان ذلك مباشرة منه او حين يتحدث بها في مجالسه.. ولم يكن عجيبا بعد ذلك ان تتسلح بها حتى اصبحت جزءاً منها وكثيرا ما كانت احاديثها في مجالسها بعد ان وفدت الى مصر تتضمن ذلك حتى اصبحت ملتقى الذين يريدون ان ينهلوا من تعاليم الاسلام في صورته النقية الخالية من كل الشوائب. أقامت السيدة عائشة وفقا لكتاب طبقات الشعراني في المقطم ١٠ أشهر فقط تردد عليها خلالها المصريين حبا فيها إذ هي من آل البيت. ولكن القدر لم يمهلها طويلا فقد توفيت في العام نفسه الذي حضرت فيه الى مصر عام ١٤٥ للهجرة ودفنت في ضريحها الموجود في مسجدها الكائن في أول الطريق الى المقطم بجوار القلعة بالقاهرة رضي الله عنها وأرضاها.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.