رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 11:52 م توقيت القاهرة

على أطراف الوعي... بين القبر والقلب

بقلم د /سماح عزازي 

لماذا يخشى الناس أن تطأ أقدامهم القبور، ولا يخشون أن تطأ قلوبهم القلوب؟
أي مفارقة هذه بين خشوعٍ يُمارس على ترابٍ يحتضن أجساداً هامدة، وقسوةٍ تُسكب على أرواحٍ ما زالت تنبض بالحياة؟

في المقابر، تراهم يسيرون بخطى خفيفة، كأن الأرض هناك جلدُ أبٍ فقدَ ابنه، يخافون أن يُوجِعوا التراب أو يُؤذوا صمت الموتى. تتبدّل ملامحهم، تخفت الأصوات، وتتوارى الكبرياء خلف أسوار الخشية. هناك فقط يتذكّرون أن للحياة حرمة، وللرحيل هيبة، وللصمت حديثًا لا يُقال.

لكن ما إن يخرجوا من بوابة المقابر، حتى يخلعوا رداء الوجل، ويعودوا إلى سيرتهم الأولى... يدوسون على قلوب الآخرين دون أن يشعروا، يسحقون المشاعر بابتسامة، ويقتلون الأرواح بكلمة، وينحرون الحب بصمتٍ متعمدٍ لا يُبقي ولا يذر.

يا للعجب!
يخشون أن يؤذوا جسداً ميتاً، ولا يخافون أن يقتلوا نفساً حيّة!
أي وعيٍ هذا الذي يُعلّق على جدران القبور ويُنسى عند أبواب الحياة؟
أي حكمةٍ تلك التي لا تستيقظ إلا حين يمر نسيم الموت، وتغفو حين تعبق رائحة المال والمكانة؟

أيها المدّعي الوعي، يا من طليت روحك بألوان النور، ولم تغسل قلبك من صدأ الكِبر...
يا من تتغنّى بالحب ويداك تقطران أنانية...
يا من تُحدّث الناس عن النقاء، وقلبك مستودع ظلالٍ وسراب...
هل ظننت أن الوعي شهادة تُعلَّق؟
أو أن الحكمة تُشترى بمحاضرة؟
هل خُيِّل إليك أن ارتداء عباءة التصوّف يُحوّلك إلى وليٍّ من أولياء الله؟

كلاّ، يا صاحبي...
الوعي ليس ضجيجًا في قاعة، بل همس ضميرٍ حين تُؤذي ولا يراك أحد.
ليس كلماتٍ براقة، بل قرارٌ صامتٌ ألا تؤذي حتى نملة.
الوعي أن تمشي على قلوب الناس كما تمشي في المقابر: بخفة، بحذر، بخشوعٍ يعرف أن كل روحٍ هي قطعة من نفَس الله.

أعرف من لا يقرأ كتاباً، لكنه لا يجرح قلباً.
وأعرف من يحفظ كتب الطاقة، ويتحدث عن النور والحب، لكنه كالكهرباء يصعق كل من اقترب.
فالنية الطيبة لا تُصلح خُبث القلب، والتأمل لا يُطفئ نار الحسد، واليوجا لا تزرع الرحمة في أرضٍ جفّفها الكِبر.

في زمن الوعي الزائف، يُسمى الهروب صمتاً، والتجاهل حكمة، والخيانة تحرّراً، والأنانية حبّاً للذات.
ويُعاد تغليف الأذى بورقٍ لامعٍ مكتوبٍ عليه: درس كوني!
يا للسخرية...!

كفّوا عن تزييف الأرواح بالكلمات، فالله لا يُستدرج بالشعر، والقلوب لا تُخدع بالمصطلحات.
إنها تعرف الحقيقة، حتى لو غطّاها ألف قناع من التنوير.

يا عزيز الروح، يا من تُدرك عمق هذا القول...
كُن في الحياة كما أنت في المقبرة: خفيفًا على الأرض، رحيماً بمن سبقك، متأملاً في صمتٍ يليق بالأحياء والأموات.
ولا تنسَ أن كل روحٍ تؤذيها، ستقف يوماً بينك وبين الله، تشهد عليك لا على جُثة، بل على خيانة حياة.

فاصمد قليلاً، واذكر أن الطريق إلى النور يبدأ من القلب لا من اللسان.
كُن بلسماً لا سيفاً، ظلاً لا وهجاً، نبعاً لا ناراً.
وحين تمشي بين الناس كما تمشي بين القبور، بخفة الوعي، وبخشوع الرحمة، حين تُقدّس الأرواح كما تُقدّس القبور...
حينها فقط، تبدأ أولى خطواتك في طريق الوعي الحقيقي — الطريق الذي يُضيء، لا ليُبهر، بل ليَهدي.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
4 + 14 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.