بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا، أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن قيس بن زهير بن جذيمة العبسي صاحب الفرسين داحس والغبراء، وقيل أنه لما قتل مالك بن سبيع التغلبي سيد غطفان وإنهزمت فزارة وحذيفة معهم وانفرد في خمسة فوارس وجد في الهرب، وبلغ خبره بني عبس، فتبعه قيس بن زهير والربيع بن زياد وقرواش بن عمرو بن الأسلع وريان بن الأسلع الذي قتل حذيفة إبنيه، وتبعوا أثرهم في الليل وقال قيس كأني بالقوم وقد وردوا جفر الهباءة ونزلوا فيه، فساروا ليلتهم كلها حتى أدركوهم مع طلوع الشمس في جفر الهباءة في الماء.
وقد أرسلوا خيولهم فأخذوا بجمعها، فحال قيس وأصحابه بينهم وبينها، وكان مع حذيفة في الجفر أخوه حمل بن بدر وإبنه حصن بن حذيفة وغيرهم، فهجم عليهم قيس والربيع ومن معهما وهم ينادون لبيكم لبيكم، يعني أنهم يجيبون نداء الصبيان لما قتلوا ينادون يا أبتاه، فقال لهم قيس يا بني بكر كيف رأيتم عاقبة البغي ؟ فناشدوهم الله والرحم، فلم يقبلوا منهم، ودار قرواش بن عمرو حتى وقف خلف حذيفة فضربه فدق صلبه، وكان قرواش قد رباه حذيفة حتى كبر عنده في بيته، وقتلوا حملا أخاه وقطعوا رأسيهما وإستبقوا حصن بن حذيفة لصباه، وكان عدد من قتل في هذه الوقعة من فزارة وأسد وغطفان ما يزيد على أربعمائة قتيل، وقتل من عبس ما يزيد على عشرين قتيلا، وكانت فزارة تسمي هذه الوقعة البوار، وكما أنهم أكثروا القول في يوم الهباءة.
ثم إن عبسا ندمت على ما فعلت يوم الهباءة، ولام بعضهم بعضا، فإجتمعت فزارة إلى سنان بن أبي حارثة المري وشكوا إليه ما نزل بهم، فأعظمه وذم عبسا وعزم على أن يجمع العرب ويأخذ بثأر بني بدر وفزارة وبث رسله، فاجتمع من العرب خلق كثير لا يحصون ونهى أصحابه عن التعرض للأموال والغنيمة وأمرهم بالصبر، وساروا إلى بني عبس، فلما بلغهم مسيرهم إليهم قال قيس الرأي أننا لا نلقاهم، فإننا قد وترناهم فهم يطالبوننا بالذحول والطوائل، وقد رأوا ما نالهم بالأمس بإشتغالهم بالنهب والمال فهم لا يتعرضون إليه الآن، والذي ينبغي أن نفعله أننا نرسل الظعائن والأموال إلى بني عامر، فإن الدم لنا قبلهم فهم لا يتعرضون لكم ويبقى أولو القوة والجلد على ظهور الخيل ونماطلهم القتال، فإن أبوا إلا القتال كنا قد أحرزنا أهلينا وأموالنا وقاتلناهم وصبرنا لهم.
فإن ظفرنا فهو الذي نريد وإن كانت الأخرى كنا قد إحترزنا ولحقنا بأموالنا ونحن على حامية، ففعلوا ذلك وسارت ذبيان ومن معها فلحقوا بني عبس على ذات الجراجر فاقتتلوا قتالا شديدا يومهم ذلك وإفترقوا، فلما كان الغد عادوا إلى اللقاء فاقتتلوا أشد من اليوم الأول، وظهرت في هذه الأيام شجاعة عنترة بن شداد، فلما رأى الناس شدة القتال وكثرة القتلى لاموا سنان بن أبي حارثة على منعه حذيفة عن الصلح، وتطيروا منه وأشاروا عليه بحقن الدماء ومراجعة السلم، فلم يفعل وأراد مراجعة الحرب في اليوم الثالث، فلما رأى فتور أصحابه وركونهم إلى السلم رحل عائدا، فلما عاد عنهم رحل قيس وبنو عبس إلى بني شيبان بن بكر وجاوروهم وبقوا معهم مدة فرأى قيس من غلمان شيبان ما يكرهه من التعرض لأخذ أموالهم فرحلا عنهم، فتبعهم جمع من شيبان.
فلقيتهم بنو عبس وإقتتلوا، فإنهزمت شيبان وسارت عبس إلى هجر ليحالفوا ملكهم، وهو معاوية بن الحارث الكندي فعزم معاوية على الغارة عليهم ليلا، فبلغهم الخبر فساروا عنه مجدين، وسار معاوية مجدا في أثرهم، فتاه بهم الدليل على عمد لئلا يدركوا عبسا إلا وهم قد لحقهم ودوابهم النصب، فأدركوهم بالفروق فإقتتلوا قتالا شديدا فإنهزم معاوية وأهل هجر، وتبعتهم عبس فأخذت من أموالهم وقتلوا منهم ما أرادوا ورجعوا سائرين.
إضافة تعليق جديد