الحمد لله ثم الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره، نحمده سبحانه أحاط بكل شيء خبرا، ونحمده بأن جعل لكل شيء قدرا، وأسبغ علينا وعلى العالمين من حفظـه سترا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين كافة عذرا ونذر، اللهم صلي على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم ووالاهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد، ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن يوم القيامة، وقيل أنه يتفاوت حساب العباد يوم القيامة فبعض العباد يكون حسابهم عسيرا وهؤلاء هم الكفرة والمشركون الذين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وتمردوا على شرع الله تعالي وكذبوا المرسلين، وكذلك بعض عصاة الموحدين الذين قد يطول حسابهم ويعسر بسبب كثرة الذنوب وعظمها.
وبعض العباد يدخلون الجنة بغير حساب وهم فئة قليلة من صفوة هذه الأمة، فروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم " رأى أمته ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون" وبعض العباد يحاسبون حسابا يسيرا وهؤلاء لا يناقشون الحساب، أي لا يدقق ولا يحقق معهم، وإنما تعرض عليهم ذنوبهم ثم يتجاوز الله عنها، وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، فقلت يا رسول الله أليس قد قال الله تعالى " فأما من أوتي كتابه بيمينه، فسوف يحاسب حسابا يسيرا" فقال صلى الله عليه وسلم " إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا هلك " رواه مسلم.
وقال الإمام القرطبي رحمه الله إن الحساب المذكور في الآية إنما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف منّة الله عليه في سترها في الدنيا، وفي عفوه عنها في الآخرة وهي التذكرة، والله تعالى يحاسب كل إنسان بمفرده، فقال تعالى " وقفوهم إنهم مسؤولون " وروى الإمام مسلم في صحيحه من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة " وأول من يحاسب من الأمم هذه الأمة المحمدية، لقوله صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق" رواه البخاري ومسلم.
وروى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا قوله صلي الله عليه وسلم "نحن آخر الأمم وأول من يحاسب" والحساب على مواقف، منها إطلاع العباد على ما قدموه من أعمال حيث قال الله تعالى " ينبأ الإنسان يؤمئذ بما قدم وأخر " وكما قال الله تعالى " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا " وهذا من إعذار الله تعالي لخلقه، وعدله في عباده أن يطلعهم على ما قدموه من صالح أعمالهم وطالحها، حتى يحكموا على أنفسهم، فلا يكون لهم بعد ذلك عذر، حيث قال تعالى " علمت نفس ما قدمت وأخرت " وإطلاع العباد على ما قدموه يكون بإعطائهم صحائف أعمالهم وقراءتهم لها، ويقال له اقرأ كتابك بنفسك، لكي تعلم أنك لم تُظلم ولم يُكتب عليك إلا ما عملت، وقال الحسن البصري رحمه الله قد عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك.
وهو كتاب شامل لجميع الأعمال كبيرها وصغيرها حيث يقول تعالي " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا "
إضافة تعليق جديد