الحمد لله ثم الحمد لله الملك القدوس السلام، الحمد لله الذي أعطانا كل شيء على الكمال والتمام، والحمد لله الذي رفع السماء بلا عمد ووضعها للأنام، يا ربنا لك الحمد حتى ترضى، وإذا رضيت وبعد الرضا، ونشهد بأنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن سيدنا محمد عبدك ورسولك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد، ذكرت المصادر التاريخية أن قيس بن زهير بن جذيمة العبسي صاحب الفرسين داحس والغبراء، أقام بمكة فكان أهلها يفاخرونه وكان فخورا، فقال لهم نحوا كعبتكم عنا، وحرمكم وهاتوا ما شئتم، فقال له عبد الله بن جدعان إذا لم نفاخرك بالبيت المعمور وبالحرم الآمن فبم نفاخرك ؟ فمل قيس مفاخرتهم وعزم على الرحلة عنهم وسر ذلك قريشا لأنهم قد كانوا كرهوا مفاخرته، فقال لإخوته إرحلوا بنا من عندهم أولا وإلا تفاقم الشر بيننا وبينهم.
والحقوا ببني بدر فإنهم أكفاؤنا في الحسب وبنو عمنا في النسب وأشراف قومنا في الكرم، ومن لا يستطيع الربيع أن يتناولنا معهم، فلحق قيس وإخوته ببني بدر، ثم نزل ببني بدر فنزل بحذيفة، فأجاره هو وأخوه حمل بن بدر وأقام فيهم، وكان معه أفراس له ولإخوته لم يكن في العرب مثلها، وكان حذيفة يغدو ويروح إلى قيس فينظر إلى خيله فيحسده عليها ويكتم ذلك في نفسه، وأقام قيس فيهم زمانا يكرمونه وإخوته، فغضب الربيع ونقم ذلك عليهم، وعاتبهم علي ذلك فلم يتغيروا عن جوار قيس، فغضب الربيع وغضبت عبس لغضبه، ثم إن حذيفة كره قيسا وأراد إخراجه عنهم فلم يجد حجة، وعزم قيس على العمرة فقال لأصحابه إني قد عزمت على العمرة فإياكم أن تلابسوا حذيفة بشيء، وإحتملوا على ما يكون منه حتى أرجع، فإني قد عرفت الشر في وجهه، وليس يقدر على حاجته منكم.
إلا أن تراهنوه على الخيل، وكان ذا رأي لا يخطئ في ما يريده وسار إلى مكة، ثم إن فتى من عبس يقال له ورد بن مالك أتى حذيفة فجلس إليه، فقال له ورد لو إتخذت من خيل قيس فحلا يكون أصلا لخيلك، فقال حذيفة خيلي خير من خيل قيس، ولجا في ذلك إلى أن تراهنا على فرسين من خيل قيس وفرسين من خيل حذيفة والرهن عشرة أذواد، وسار ورد فقدم على قيس بمكة فأعلمه الحال، فقال له أراك قد أوقعتني في بني بدر ووقعت معي، وحذيفة ظلوم لا تطيب نفسه بحق، ونحن لا نقر له بضيم، ورجع قيس من العمرة، فجمع قومه وركب إلى حذيفة وسأله أن يفك الرهن فلم يفعل، فسأله جماعة فزارة وعبس فلم يجب إلى ذلك وقال إن أقر قيس أن السبق لي وإلا فلا، وسأل حذيفة إخوته وسادات أصحابه في ترك الرهان ولج فيه، وقال قيس علام تراهنني ؟
قال على فرسيك داحس والغبراء وفرسي الخطار والحنفاء، وقيل كان الرهن على فرسي داحس والغبراء، قال قيس داحس أسرع، وقال حذيفة الغبراء أسرع وقال لقيس أريد أن أعلمك أن بصري بالخيل أثقب من بصرك، والأول أصح، فقال له قيس نفس في الغاية وأرفع في السبق، فقال حذيفة الغاية من أبلى إلى ذات الإصاد، وهو قدر مائة وعشرين غلوة، والسبق مائة بعير وضمروا الخيل، فلما فرغوا قادوا الخيل إلى الغاية وحشدوا ولبسوا السلاح، وتركوا السبق على يد عقال ابن مروان بن الحكم القيسي وأعدوا الأمناء على إرسال الخيل، وأقام حذيفة رجلا من بني أسد في الطريق وأمره أن يلقى داحسا في وادي ذات الإصاد إن مر به سابقا فيرمي به إلى أسفل الوادي، فلما أرسلت الخيل سبقها داحس سبقا بينا، والناس ينظرون إليه وقيس وحذيفة على رأس الغاية في جميع قومهما.
فلما هبط داحس في الوادي عارضه الأسدي فلطم وجهه فألقاه في الماء، فكاد يغرق هو وراكبه ولم يخرج إلا وقد فاتته الخيل، وأما راكب الغبراء فإنه خالف طريق داحس لما رآه قد أبطأ وعاد إلى الطريق وإجتمع مع فرسي حذيفة، ثم سقطت الحنفاء وبقي الغبراء والخطار، فكانا إذا أحزنا سبق الخطار وإذا أسهلا سبقت الغبراء، فلما قربا من الناس وهما في وعث من الأرض تقدم الخطار، فقال حذيفة سبقك يا قيس " فقال رويدك يعلون الجدد " فذهبت مثلا، فلما إستوت بهما الأرض قال حذيفة خدع والله صاحبنا، فقال قيس ترك الخداع من أجرى من مائة وعشرين، فذهبت مثلا، ثم إن الغبراء جاءت سابقة وتبعها الخطار فرس حذيفة، ثم الحنفاء له أيضا، ثم جاء داحس بعد ذلك والغلام يسير به على رسله، فأخبر الغلام قيسا بما صنع بفرسه، فأنكر حذيفة ذلك وادعى السبق ظالما وقال جاء فرساي متتابعين ومضى قيس وأصحابه حتى نظروا إلى القوم الذين حبسوا داحسا وإختلفوا.
إضافة تعليق جديد