الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، ودبر عباده على ما تقتضيه حكمته وكان بهم لطيفا خبيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وكان على كل شيء قديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة وبشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد لقد حذرنا الإسلام من إيذاء المسلمين، وإذا كان من إيذاء المسلمين بعض الأمور البسيطه ولكنها تعد كبيرة من الكبائر وجريمة من الجرائم المحرمة، فما بالكم بألوان من الأذى يتضرر منها ملايين المسلمين، ويقع بلاؤها على مجموع الأمة؟ فإن الأذية كلما إنتشرت دائرتها وتوسعت، كان إثم مرتكبها أعظم وعقوبته أشد، وإن كانت اللعنة تحق على من يتخلى في طرق المسلمين وظلهم.
ويؤذيهم في طرقاتهم وهو لا يتعدى أفرادا معدودين، فكيف بالذين يؤذون المؤمنين في دينهم وعقيدتهم وتصوراتهم، ويؤذون ألوف المسلمين؟ إنه أذى الله ورسوله، كما قال تعالى في الحديث القدسي المتفق عليه " يؤذيني ابن آدم " وفي القرآن الكريم يقول تعالي " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهم عذابا مهينا " كما أن من أذية المسلمين هو خلط الحقائق وتلبيس الوقائع وتسميم الثقافة والوعي، وقل مثل ذلك في مجال القيم والأخلاق والسلوك، كم يتأذى عموم الناس بما يعرض من مقروء ومشاهد مما يصادم الذوق العام، ويصادم الفضيلة والفطرة، فضلا عن أصول الشريعة ومبادئها أليس كل هذا أذية للمسلمين، وتحديا ظاهرا لدينهم ومشاعرهم؟ حتى أصبح من يريد الحفاظ على نفسه وأسرته من الوقوع في الإنحراف يعاني الكثير والكثير.
وكما أن من صور الأذى بالمسلمين هو إستغلال حاجة الناس وفقرهم، والتحايل على الربا الذي غطى بسحابته السوداء بلاد المسلمين، وضرب بأطنابه في تعاملاتهم ظلما وعدوانا، حتى دخل على من لا يريده في عقر داره، ووصله غباره إبتداء من المصارف والبنوك، وإنتهاء بتجّار التقسيط، حتى تكاثرت الديون، وتضاعف العوز مع قلة إستفادة المدين، وإنعدام بركة المال، وإن على أصحاب المال والإقتصاد أن يتقوا الله في ما بين أيديهم، فغدا والله يسألون، وثمة جانب من جوانب الإيذاء العام في مجال المال والإقتصاد، والذي يمارسه بعض التجار وأصحاب المصالح من الإحتكار ورفع الأسعار، والتضييق على المسلمين في أرزاقهم ومعاشهم، حتى أعمى الجشع بصائرهم، وخدر الطمع مشاعرهم، وإن التجارة باب كريم للرزق، لكن ذلك لا يعني الإتكاء على الضعيف.
في إستنزاف آخر قطرة من دمه، وأسوء من ذلك إستدراجه بالديون، وتحمليه ما لا يحتمل، فيا أيها الناس إن محبة الله تعالى لعباده المؤمنين عظيمة لأنهم آمنوا به، وإتبعوا رسله وصدقوا أخباره وإلتزموا شريعته، وهي محبة أورثتهم منزلة الخصوصية عند ربهم سبحانه وتعالى، فاختصهم بهداية ورحمة ليست لغيرهم من سائر الخلق، وبهذه الهداية والرحمة ينالون سعادة الدنيا بطمأنينة القلب وفرحه بالله تعالى، وسعادة الآخرة بالفوز العظيم والفلاح الكبير، والقرب من الرحمن جل في علاه، ويكفي في بيان محبة الله تعالى للمؤمنين قول الله تعالى في الحديث القدسي " وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته " رواه البخاري، ولأجل هذه المحبة العظيمة من الله تعالى لعبده المؤمن، كان من كبائر الذنوب قصد المؤمن بما يسوؤه ويؤذيه.
سواء كان الأذى حسيا بالقتل أو الضرب أو الحبس أو التعذيب ونحوه، أو كان التعذيب بالقول كالشتم واللعن والغيبة والنميمة والبهتان والتعيير وشبهه، وقد يكون الأذى المعنوي أشد وطأة على النفس، وأبقى أثرا في الناس لما فيه من تلويث السمعة، ونشر السوء، وخصوصا إن كان كذبا وبهتانا، وفيه يقول الله تعالى " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " وفي آية أخرى يقول تعالي " وكذلك نجزي المفترين "
إضافة تعليق جديد