بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله، لا مانع لما أعطاه ولا رادّ لما قضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله ومصطفاه صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فسبحانه وتعالي القائل " فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون " ثم أما بعد إن من وسائل تربية الناشئة على حب النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم هو معرفة سيرته، وبيان هديه وخلقه وفضله، وما اشتملت عليه هذه النفس من رحمة ورأفة للمؤمنين، وقيل أنه كان الإمام الزهري رحمه الله يقول في علم المغازي علم الآخرة والدنيا، وقد بلغ من حرصهم على تعليم أولادهم سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه، أنهم جعلوها قرينة القرآن الكريم من حيث الأولوية، فيقول زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه.
كنا نعلّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه كما نعلّم السورة من القرآن، وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عن الجميع قال كان أبي يعلمنا المغازي ويعدها علينا، ويقول يا بني هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها" فنجد مما سبق محطات نتزود بها لحياة مليئة بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عاشها الصحابة والسلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم فعن عبدة بنت خالد بن معدان قالت ما كان خالد يأوي إلى فراش إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار يسمّيهم، ويقول هم أصلي وفصلي، وإليهم يحن قلبي، طال شوقي إليهم، فعجّل ربي قبضي إليك حتى يغلبه النوم، وقال إسحاق التجيبي كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم، وبكوا.
وقال مالك وقد سئل عن أيوب السختياني ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه، وقال وحجّ حجتين فكنت أرمقه، ولا أسمع منه غير أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه، وقال مصعب بن عبدالله كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغيّر لونه، وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يوما في ذلك، فقال لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليّ ما ترون، ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه، وقال ثابت البناني لأنس بن مالك رضي الله عنه أعطني عينيك التي رأيت بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبلها، وعن جبير بن نفير عن أبيه قال جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما فمر به رجل، فقال طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت وشهدنا ما شهدت.
وقال عز وجل " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ولولاه صلي الله عليه وسلم لنزل العذاب بالأمة، ولولاه صلي الله عليه وسلم لاستحققنا الخلود في النار ولولاه صلي الله عليه وسلم لضعنا، فقال الإمام ابن القيم في جلاء الأفهام " إن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته، أما أتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة، وأما أعداؤه المحاربون له، فالذين عجل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم، لأن حياتهم زيادة في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب الله عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم، وأما المعاهدون له فعاشوا فى الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شراً بذلك العهد من المحاربين له وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهليهم وإحترامها، وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوراة وغيرها، وأما الأمم النائية عنه فإن الله عز وجل رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العاملين النفع برسالته "
إضافة تعليق جديد