إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد اعلموا يرحمكم الله أن كل قصه في القرآن الكريم هي قصص بيّن، وأسلوب حكيم، ولفظ رائع، ليدلّ الناس الخالق الكريم، ويدعوهم إلى الإيمان الصحيح، ويرشدهم إلى العلم النافع، بأحسن بيان، وأقوم سبيل، وليكون مثلهم الأعلى يما يسلكون من طرق التعليم، ونبراسهم فيما يصطنعون من وسائل الإرشاد، وإن النفوس تحب القصص، وتتأثر بها، لذلك تجد في القرآن أنواعا من القصص النافع، وهو من أحسن القصص، لذلك فنحن نقدم نموذجا من القصص القرآني البليغ، نأخذ منها الدروس والعبر ألا هي " قصة ذي القرنين" التي ورد ذكرها في سورة الكهف.
والحديث حول قصة ذي القرنين يدور في المباحث التالية فالمبحث الأول هو تمهيد يشتمل على التعريف بالقصة وصاحبها، والمبحث الثاني وهو ذكر الفوائد في العقيدة، والمبحث الثالث وهو ذكر الفوائد في باب الدعوة، والمبحث الرابع وهو ذكر الفوائد التربوية، والمبحث الخامس وهو ذكر الفوائد الفقهية، والمبحث السادس وهو ذكر الفوائد في باب المعاملات، والمبحث السابع وهو الإعجاز العلمي في قصة ذي القرنين، والمبحث الثامن هو دفع ما يوهم التعارض في آيات في قصة ذي القرنين، فقصة ذي القرنين من القصص القرآنية الجامعة بين العلم والعمل والحكم والعدالة والقول والفعل والرأي والشورى والقانون والدستور والصبر والحكمة والسلطة والوجاهة، والقوة الروحية والمادية، قصة ذي القرنين الذي جمع شخصية الحاكم العادل، والعالم العامل.
إلى جانب ورعه وتقواه وخوفه من الله تعالى، وحثه على نشر قيم العدالة بين الناس ومن هم في حدود مملكته، ويستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح، ولا يستغل فتوحاته وسيلة في التجبر على رقاب الضعفاء، وتفقده أحوال الرعية في المشرق والمغرب، وتحمله أعباء السفر ومشاقه ليخدم الناس ويتفقد أحوالهم ويبث فيهم روح العمل وحبه ليسيروا حياتهم على أحسن وجه، كل ذلك دليل على إهتمامه وحرصه الشديد على هداية الناس، وذو القرنين الذي سار بجيشه إلى مشرق الأرض ومغربه لم يسجل عنهم أنهم تعدوا على أحد أو ظلموا أحدا، أو أكلوا مال أحد، وهمهم فقط نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ورفع الظلم والحيف عن الناس، إلى جانب تعليم الناس أسس ومبادئ الصناعة والعمل، ويبين بذلك للعالم أجمع أن عالمية الإسلام ماض إلى يوم القيامة.
لا تحده زمان ولا مكان، فهو الدين الوحيد الذي يستطيع أن يجمع تحت مظلته كافة الأجناس والأقوام ويجعلهم إخوانا في دين الله، وكذلك تبين رحلاته نشر روح التسامح بين الأقوام، والإستفادة من بعضهم البعض في مجال البناء والحوار الحضاري، وعن قصة الرجل الصالح الذي مكّن الله له، وهيأ له الأسباب فأخذ بها، وإجتهد في إستثمارها وتطويرها، فطوّف في الأرض، وجال في أقطارها، قائدا ظافرا، وحكما عادلا، وسلطانا قويا، وعبدا شكورا، فملأ الدنيا عدلا ونورا، وطاف ذو القرنين بجنده وعتاده، لينشر العدالة في ربوع الكون، ويبلغ دعوة الحق، ويصحح المفاهيم، ويقيم الموازين القسط، ويرسّخ القيم الأصيلة، والأخلاق الفاضلة، ووهبه أسباب النصر والتمكين وأصول السياسة وفنون التدبير، فأحسن إستغلال هذه المنح والمواهب على أتم وجه، بل جعلها ركيزة ومنطلقا إلى ريادة الكون بالعلم والإيمان، والعدل والإحسان.
إضافة تعليق جديد