رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 18 يونيو 2025 3:07 ص توقيت القاهرة

ترامب وإيران الحسم لا الهدنة

بقلم د/ سماح عزازي

في عالمٍ يتأرجح بين فوهات المدافع ومائدة الدبلوماسية، وبين شبح الحرب ونداءات العقل، يطلّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحٍ يزلزل قواعد الخطاب التقليدي، ويبعثر أوراق السياسة الدولية: "لا أسعى إلى وقف إطلاق النار مع إيران، بل إلى إنهاء برنامجها النووي بالكامل."
تصريحٌ لا يندرج ضمن زلات اللسان أو المناورات التكتيكية، بل يأتي كبيان استراتيجي في لحظة مفصلية، حيث يتقاطع التصعيد الإيراني الإسرائيلي مع التحولات في موازين القوة الإقليمية، ليعيد رسم خارطة المواجهة، ويكشف عن نوايا لم تعد تكتفي بالتلميح، بل تمضي نحو الحسم، بأي ثمن.

صرح الرئيس الامريكي  دونالد ترامب لا أسعى لوقف النار مع إيران... بل لإنهاء برنامجها النووي بالكامل

 "حين تُركّز السياسة على السلاح، تصبح الدبلوماسية ظلًّا مهجورًا في ميدان الحرب."

في تصريح فجّ وصادم، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليؤكد أن بلاده لا تسعى إلى وقف إطلاق النار مع إيران، بل إلى إنهاء برنامجها النووي بالكامل. هذا التصريح، الذي جاء في أعقاب التصعيد الأخير بين طهران وتل أبيب، ليس مجرد بيان سياسي في سياق متوتر، بل إعلان واضح عن نوايا استراتيجية أمريكية تتجاوز الأزمة الآنية، لتستهدف البنية التحتية النووية الإيرانية برمتها، وتعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

قراءة أولية من لغة التهدئة إلى خطاب الحسم
لسنوات، كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتأرجح بين خيارين: التفاوض أو الردع، إلا أن ترامب، الذي يعود إلى البيت الأبيض في دورته الثانية محمّلًا بأجندة أكثر صرامة، يذهب أبعد من ذلك. فبدلًا من الاكتفاء بإدارة التوتر، يطرح مقاربة تقوم على "التحطيم الكامل" لأي قدرة محتملة لإيران على إنتاج سلاح نووي.

لقد جاء تصريحه خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الدفاع، حيث قال بلهجة لا تخلو من تهديد:

"الحديث عن وقف النار مع إيران هراء... نحن نسعى إلى حلّ دائم، لا مؤقت، ولن نتوقف قبل التأكد أن برنامجهم النووي لم يعد قائمًا."

السياق الإقليمي حين تختلط النوايا بالنيران
لا يمكن فصل هذا التصريح عن الأحداث الجارية: التصعيد الإيراني – الإسرائيلي، والردود الصاروخية المتبادلة، والانكشاف الأمني في المنطقة. ولكن من زاوية أعمق، فإن خطاب ترامب يعيدنا إلى فلسفة الردع الشامل التي تبناها المحافظون الجدد عقب هجمات 11 سبتمبر، والتي ترى في الهجوم الوقائي وسيلة لتحقيق السلام الأمريكي المفروض بالقوة.

واشنطن وتل أبيب تحالف من نار
لا يخفى أن تل أبيب كانت – ولا تزال – تضغط على واشنطن لشنّ هجوم نهائي على منشآت إيران النووية، خشية أن تصل طهران إلى مرحلة اللاعودة. وقد صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الوقت لم يعد في صالح الانتظار، وأنه يجب على الحلفاء "أن يتحركوا قبل فوات الأوان". وفي ظل هذا الضغط، لا يبدو أن إدارة ترامب مستعدة لتقديم ضمانات أمنية لإسرائيل فحسب، بل تبدو مستعدة لتنفيذ ما عجزت عنه الإدارات السابقة.

إيران خيارات محدودة في مواجهة مفتوحة
القيادة الإيرانية من جهتها تدرك أن التصعيد الأمريكي ليس مجرد تهويش إعلامي، بل تمهيد لتحرك فعلي، خصوصًا في ظل حشد القوات الأمريكية في الخليج العربي، وتحليق طائرات الاستطلاع المتكرر فوق منشآت نووية إيرانية. ومع ذلك، تواصل طهران خطاباتها النارية، حيث قال الحرس الثوري في بيان له:

"إذا كانت واشنطن تفكر في مهاجمة منشآتنا، فعليها أن تهيّئ جنائز جنودها في المنطقة."

لكن الواقع يؤكد أن ميزان القوى ليس متكافئًا، خاصة إذا اتفقت واشنطن وتل أبيب على شنّ ضربات مركزة، كما حدث في العراق عام 1981 وفي سوريا لاحقًا.

أوروبا والقلق الصامت
أوروبا، التي وجدت نفسها بين مطرقة ترامب وسندان طهران، تحاول الإبقاء على الحد الأدنى من الاتفاق النووي الإيراني، ولكن دون أدوات فعلية. فقد عبّر الاتحاد الأوروبي عن "قلقه العميق" من التصعيد، داعيًا إلى ضبط النفس، ولكن بدون أن يقترن هذا القلق بإجراءات دبلوماسية حقيقية. وفي هذا السياق، تبدو العواصم الأوروبية كمجرد متفرج قلق على صفيح ساخن، دون قدرة على التأثير.

هل يقترب الحسم؟
يرى بعض المحللين أن التصريح الأخير لترامب هو تمهيد لعملية عسكرية محدودة تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، تهدف لإعادتها سنوات إلى الوراء، دون التورط في حرب شاملة. بينما يرى آخرون أن ترامب، المعروف باستخدامه للغة القصوى كأداة تفاوض، يحاول فقط رفع سقف التهديد قبل الدخول في مفاوضات بشروط أمريكية بحتة.

لكن السؤال الأهم: هل إيران، بعد أن كسرت حاجز الردّ المباشر ضد إسرائيل، ستقبل هذه المرة بالخضوع، أم أن محور المقاومة سيجرّ المنطقة إلى مواجهة إقليمية لا يمكن احتواؤها؟

الشرق الأوسط في فوهة النية الأمريكية
في النهاية، يبدو أن تصريح ترامب ليس مجرد موقف سياسي، بل تجسيدٌ لعقيدة أمريكية جديدة تقول بوضوح: إما أن تتراجع إيران، أو تُرغم على التراجع. ومع منطقة تعجّ بالسلاح، والجيوش، والجراح القديمة، فإن كل تصريح من هذا النوع يُشعل فتيلًا، قد لا يُطفأ إلا بسنوات من الدم والركام.

فالشرق الأوسط، كما قال هنري كيسنجر ذات مرة،

"منطقة لا تُعاقب من يبدأ الحرب، بل من لا يحسن إنهاءها."

فهل تكتب واشنطن هذه المرة الخاتمة؟ 
أم أن حسابات الأرض تختلف عن أحلام القوة؟

وهكذا، يبدو أن الشرق الأوسط بات قاب قوسين أو أدنى من تحوّلٍ كبير، لا تحكمه التفاهمات الدبلوماسية، بل إرادة الحديد والنار. فترامب لا يترك مجالًا للغموض: "الحرب خيار مطروح، إذا كان ثمن السلام النووي مؤجلًا."
وبينما تُراكم إيران أوراق الردّ، وتعيد إسرائيل ترتيب أولوياتها الدفاعية، تبقى واشنطن في موقع من يمسك بالزناد، ولكن أيضًا بالحسابات المعقدة لأي اشتعال.
فهل تتحول هذه الكلمات إلى صواريخ تُطلق؟
أم أننا نشهد جولة جديدة من معركة الإرادات، حيث يكون الصوت الأعلى لمن يحسن قراءة اللحظة، لا لمن يملأ الساحات بالوعيد؟

 "في السياسة كما في الحرب، لا يكفي أن تملك السلاح... بل أن تعرف متى تسحبه، ومتى تُبقيه في غمده."

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
12 + 4 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.