رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 5 يونيو 2025 1:59 م توقيت القاهرة

الوسطية هي العدالة.. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد إن الوسطية التي تميز بها الإسلام عما سواه من الأديان هي العدل وهذا هو المراد بقوله تعالى " أمة وسطا " أي عدولا خيارا، وهو محل اتفاق بين أهل العلم، ويتبين ذلك من خلال هذه النقاط أن هذا المعنى هو المتسق مع بقية الآية، فقد كانت الوسطية علة لتكليف الأمة بالشهادة على الأمم الأخرى " لتكونوا شهداء علي الناس " والشهادة لا تقوم إلا بالعدل ولا تقبل إلا من عدل، وكما في قوله تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس " فبين وصف الخيرية والوسطية تلازم إذ أن من معاني الوسط في لغة العرب الخيار، وإن السنة قد جاءت صريحة بأن الوسطية هي العدالة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت؟ فيقول نعم يا رب، فتُسأل أمته، هل بلغكم؟ فيقولون ما جاءنا من نذير، فيقول من شهودك؟ فيقول محمد وأمته، فيجاء بكم فتشهدون ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال عدلا " لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " وأنه قول علماء التفسير من السلف، نحو ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة رحمهم الله وغيرهم من علماء التفسير المتأخرين، وأنه هو الجاري على كلام العرب، حيث قال الإمام الطبري رحمه الله " وأما الوسط، فإنه في كلام العرب الخيار، يقال منه فلان وسط الحسب في قومه، أي متوسط الحسب إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه، وقال أيضا " الوسط العدل وذلك معنى الخيار لأن خيار الناس عدولهم" وهو الذي قال به علماء اللغة.
كالخليل وقطرب رحمهما الله وغيرهما، مع التنبيه إلى أن من معاني الوسط الجزء بين الطرفين، وليس في ذلك تعارض بين القول بأن الوسط هو العدل، والقول بأنه الجزء بين الطرفين إذ أن الجزء بين طرفين في موضع إعتدال عن جانبي الإنحراف، وقال الإمام الطبري رحمه الله " وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، ولكنهم أهل توسط وإعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها" والعدل يأتي في غالب الأمر وسطا بين طرفين ذميمين، حيث قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما " اتقوا الله يا معشر القراء، خذوا طريق من كان قبلكم، والله إن سبقتم لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا" وفي كتاب عمر بن عبد العزيز رحمه الله لأحد عماله.
قال فيه بعد أن أوصاه بلزوم طريق من سلف ما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، لقد قصر دونهم أقوام فجفوا، وطمع عنهم قوم آخرون فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدي مستقيم" وقد أكد هذا الأمر أهل العلم حيث يقول الإمام ابن القيم رحمه الله " ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان، إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه، والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد، ويحسن التنبيه هنا على مقولة دارجة وهي أن الفضيلة وسط بين رذيلتين فهذه مقولة خاطئة لأنها أعطت للبشر الحق في الحكم على الرذائل والفضائل، وهذا ليس بصحيح وذلك لأن تحديد الفضيلة والرذيلة هو حق لله تعالى.
وليس الأمر متروكا للبشر، وإن هذه الوسطية هي بالهبة والجعل الإلهي حيث قال تعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " وإن تحديد الوسط أمر صعب، إعترف بصعوبته القائلون بأن الوسطية معيار، حيث يقول أرسطو " إن إدراك الوسط في كل شيء أمر صعب جدا " ويقول الإمام الغزالي رحمه الله عن تحديد الوسط بأنه " من أعقد الأمور وأصعبها " وإن تحديد الوسط أمر نسبي، يختلف باختلاف الأشخاص ولذلك يقول ابن سينا "ليس وسط الشيء عينه، بل الوسط بالنسبة إلينا، وبهذا يتبين أن الوسطية ليست معيارا بشريا تحدد من خلاله الفضائل، لكنها خاصية أختص بها دين الإسلام، وتميزت بها شرائعه، فالدين وأهله براء من الإنحراف، سواء الجانح إلى الغلو، أو الجانح إلى التقصير.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.