رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 8 مايو 2025 12:27 م توقيت القاهرة

بين فوضى الترند وتزييف الواقع... من يعبث بوجه مصر؟

بقلم د/سماح عزازي

في زمنٍ أصبح فيه الافتراضي أكثر تأثيرًا من الواقع، تنفجر بين لحظة وأخرى قنابل إعلامية على هيئة "ترندات"، وصور، ومقاطع متداولة، تتسابق على تشويه صورة المجتمع المصري، وتصدير أسوأ ما فيه، حتى باتت المنصات الرقمية ساحة لحرب باردة تُخاض فيها معارك الوعي، ويُذبح فيها الحق على مذبح السوشيال ميديا.

ما بين تسريبٍ متعمد، وواقعة مشبوهة، وتضخيم فجّ، أصبحت أخبار مصر ليست نتاج صحافة واعية أو إعلام مسؤول، بل صنيعة صفحات وهمية، ولجان إلكترونية، وأنامل خفية تُحرك الفتنة، وتلهو بمستقبل وطن.

الترند... صنم هذا العصر
الترند – ذلك السراب الذي يحسبه الظمآن شهرة – صار هدفًا في ذاته، بل عبادةً يتقرب بها بعضهم إلى جمهورٍ عابر.
من أجل الترند، يُباع العرض، وتُستباح الخصوصيات، وتُفتعل الحكايات، حتى غدا البعض لا يتورّع عن اختلاق الأكاذيب، واستغلال الأطفال، واستدرار العواطف، وخلق أزمات وهمية، كل ذلك من أجل بضع دقائق من التفاعل، وأوهام التأثير.

يُحزن القلب أن نرى من يتصدرون المشهد ليسوا أصحاب عقول أو رسالات، بل أصحاب ضجيج وفوضى.
كل شيء أصبح سلعة قابلة للعرض: الجريمة، الخيانة، البكاء، الفضائح، بل وحتى الوطن نفسه... صار مادة استهلاكية في سوق التفاعل، حيث لا مكان للصدق، ولا اعتبار للقيم.

خيوط العبث... من المستفيد؟
ليست هذه الظواهر بريئة أو عفوية، بل تأتي في سياقٍ ممنهج تسعى من خلاله أطراف مغرضة إلى هزّ صورة المجتمع المصري، وبث الشكوك في كل شيء: في المدرسة، في الأسرة، في الجار، في الوطن ذاته.
وتقف خلفها لجان إلكترونية مدرّبة، تندس بيننا، تصطنع النقاش، وتوجّه الرأي العام، وتعيد تدوير الأكاذيب حتى تبدو حقائق.
وهكذا يُطوَّع المزاج الشعبي، وتُثار مشاعر الغضب، لتوجيه الجماهير كما تُوجَّه الدُّمى بخيوط خفية.

نداء الوعي... وصوت الوطن
إنّ ما نراه اليوم ليس مجرد أخبار أو منشورات... إنها حرب ناعمة تستهدف أعمدة الوعي، وتُشكك في الثوابت، وتُدمر ثقة المواطن بمؤسساته، وبمن حوله.

ومن هنا، أناشد كل مواطن مصري حر:
لا تنجرف خلف الموجة، لا تروّج دون تحقق، لا تترك عقلك ساحةً للتجارب.
قف لحظة، واسأل نفسك: من كتب هذا؟ من صوّر؟ 
من نشر؟ ولصالح من يحدث كل هذا؟

لقد بات من الضروري أن نقف جميعًا، كجدار واحد، في وجه هذا الطوفان الرقمي، وأن نُعيد ترتيب أولوياتنا: فكرًا، وموقفًا، وانتماءً.

في خضم ما يشهده الفضاء الافتراضي من انفجار معلوماتي وتضخيم إعلامي ممنهج، تطفو على السطح يوميًّا موضوعات مُريبة، تارة في صورة "قصص مجتمعية صادمة"، وتارة في شكل "فيديوهات مفبركة"، وتارة أخرى على هيئة "حملات مفتعلة" مدروسة الإخراج، تسعى بكل جهدها إلى تشويه وجه مصر، والعبث بثقة المواطن في نفسه، وفي وطنه، وفي مؤسسات الدولة.

ما نشهده ليس صدفة... بل فوضى مصنوعة بدقة، تديرها أصابع خفية، وتنفذها لجان إلكترونية مدرّبة، تتقن التسلل إلى وجدان البسطاء، وتضرب على وتر العواطف، لتزرع بذور الفتنة والشك والبلبلة.

كل يوم قصة، وكل قصة أكثر تشويهًا من سابقتها.
أبطال من ورق، وشهادات منتحلة، ودموع مستعارة، وجرائم وهمية تُساق على أنها حقائق دامغة، لتُعرض أمام أعين الناس على موائد السوشيال ميديا، وكأنها محاكم شعبية... لا قاضٍ فيها سوى "الترند"، ولا حكم فيها سوى "المغالطة الجماعية".

إن أخطر ما يهدد أمن الوطن اليوم، ليس رصاصة من الخارج، بل إشاعة من الداخل.
والمعركة الحقيقية لم تعد بالسلاح التقليدي، بل بالكلمة المسمومة، والمعلومة المضللة، والمشهد المبتور، والحوار الموجَّه.

أفيقوا يا أبناء مصر!
مصر ليست دولة وليدة حتى تُهزّها إشاعة، وليست مجتمعًا هشًّا حتى تخترقه حملة إلكترونية عابرة.
ومع ذلك، فإن ترك الحبل على الغارب، والانقياد وراء "الترند"، والركض خلف كل قصة تُنشر، دون تحقق أو تمحيص، يُعد خيانة للوعي، وطعنة في خاصرة الوطن.

لماذا هذا الإصرار المريب على تصدير صورة مصر في أقبح هيئة؟
لماذا تُستدعى دائمًا أسوأ القصص وأكثرها شذوذًا لتُعمم وكأنها تمثل الشعب بأسره؟
من المستفيد من زرع هذا الكم من القبح والخراب والشك في النفوس؟

إنها معركة حقيقية على الهوية، والوعي، والاستقرار.
معركة لا تُخاض بالبنادق، بل بالهواتف الذكية.
لا تُدار من الحدود، بل من الشاشات.
ولا تستهدف إسقاط الأنظمة فقط، بل تدمير ثقة الشعوب بذاتها أولًا.

رسالة إلى كل مصري:
لا تكن أداةً في يد عدو لا تراه.
لا تكن جزءًا من حملة هدم لا تدرك أهدافها.
راجع ما يُنشر، تحقق قبل أن تنشر، تريّث قبل أن تُدلي برأيك، فبعض الآراء... رصاصات في قلب الوطن.

مصر دولة عظيمة بتاريخها، وعظيمة بشعبها، ولن تسقط أمام حملات وهمية، لكنها قد تتأذى من صمت أبنائها، أو من تساهلهم، أو من خضوعهم للعبث الرقمي الذي لم يعد يُخفي وجهه القبيح.

لنحفظ الوطن من المتلاعبين،
ونردّ كيد الكاذبين،
ونقف جميعًا صفًا واحدًا خلف الحقيقة،
فمصر لن تكون لعبةً في يد عابث.

إنّ مصر التي أنجبت حضارةً سبقت الزمان، وواجهت في التاريخ أعتى الحملات، قادرةٌ أن تصمد وتنهض، شرط أن نستعيد وعي هذا الشعب الأصيل، ونوقظ ضمائرنا من سباتها الافتراضي.

ولن يكون ذلك إلا حين نُحسن التمييز بين الحقيقة والزيف، بين من يعمل في النور، ومن يزرع الظلام.

فالوطن لا يحتاج إلى متفرجين، بل إلى جنود في ميدان الوعي.
مراجع واستشهادات:
الترند... صنم العصر:
 تقرير منظمة Common Sense Media (2023):
أكثر من 60% من المراهقين يعترفون بتعمدهم إثارة الجدل على الإنترنت لجذب الانتباه.
المصدر: Common Sense Media – 2023 Report on Social Media Use

التزييف المتعمد والمحتوى المفبرك:
دراسة جامعة كامبريدج (2022):
38% من الأخبار المتداولة حول الشأن المصري إما مبالغ فيها أو مفبركة بالكامل.
المصدر: University of Cambridge – Misinformation in the MENA Region

اللجان الإلكترونية... سلاح خفي:
 تقرير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (2021):
وجود لجان إلكترونية منظمة تعمل على إغراق الفضاء الإلكتروني المصري بمحتويات سلبية ومغلوطة.
المصدر: ECSS – مصر تحت سلاح الجيل الرابع من الحروب

تأثير الإعلام المضلل على الأمن المجتمعي:
دليل اليونسكو للتربية الإعلامية (2021):
حذّر من خطورة الأخبار الزائفة على استقرار المجتمعات، خاصة في الدول النامية.
المصدر: UNESCO – Handbook on Media and Information Literacy

هل هناك مؤامرة إعلامية؟
 تقرير FireEye للأمن السيبراني (2020):
كشف عن شبكات معقدة ممولة خارجيًا تستهدف تشويه الحكومات العربية وبث الفتنة.
المصدر: FireEye Threat Intelligence Report – Disinformation Operations

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.