فقدت الأمان بفراق سكينة القلب وأمينة الحنان

طارق سالم
وفاة أمى من الأشياء التي تحزن القلب وتكسر الخاطر بالكثير من الحزن حيث أنه عندما أكتب عن حبى لها لا أستطيع التعبير عنه مهما كتبت كل الكلام فالأم هي نبع الحنان هي مصدر القوة والأمل بالحياة .
ما اصعب أن تجف الدموع ويتألم القلب عندما ياتى موعد الإحتفال بعيد الأم كل عام أتذكر سكينة القلب وأمينة الحنان وهى ترويني من جذوع المحبة عطف وحنية وطيبة وأمان وثقة بمواجهة الحياة سواء كانت بطفولتى التى عشتها باحضانها وبين ذراعيها وقبلاتها التى لا تفارق وجهى وراسى وكانها تبث روح الوجود السعيد لها وتلبسنى لباس خيوطه نسجت من بدنها ولونه يشع نور وجهها حتى أعيش هذه الطفولة برفقتها وصحبتها وأنا أنظر إلى الحياة فى عينيها بكل أمل وتفاؤل والعب وألهو هنا وهناك في شرفات البيت وخارجه وهى ناظرة إلي وعينها لم تفارقنى وابتسامتها تزيدني قوة وهمة ونشاط .
وتمر الأعوام عام بعد عام ومازالت هى سكينة القلب وأمينة الحنان لا ينقطعان وكبر الطفل المدلل ولكنه لم يفارقها حتى أصبح هو يعيش الحياة بلا خوف بلا قسوة لأنها كانت هى حائط الصد المنيع لكل أمر مهما كان يسيرا أو عسيرا وتشد من أذرى وتربط على يدي بأمن وأمان ليشتد عودى ويقدر على تحمل أية صعاب بالحياة .
وبعد سنوات طوال مرت علينا وهى مازالت تؤدى رسالتها ونحن سعداء رفقاء المجالس دوما لا تنقطع ليلا أو نهارا ونتحاور نتشاور نتسامر أحيانا وتعلو الضحكات بسعادة قلوبنا وابتسامة وجوهنا وأحضان تسقينى سكينة القلب وأمينة الحنان حتى أصبحت حياتنا معا حياة يسودها الود والحب وسهولة العيش بها دون تعب أو نصب لأنها كانت لى هى الراي والراي السديد والمشورة الصائبة والحلول الميسرة حتى وإن كانت شديدة العسرة تجد عندها بفضل الله سهولة الكلم وراحة الطمأنينة وهى تقول لى لا تحزن أبدا ولتعلم أن الله معنا وهو بيده مقاليد الأمور ويغير حال إلى حال .
وعشت هذه السنوات من عمرى بهذا الحال معها حال المطمئن والميسر والسعيد من كل أمر عسير وهي ما زالت تؤدى رسالتها نحوى حتى في الكبر وبعد أن تزوجت أنا واصلت تادية رساتها مرة أخرى مع أولادى بنفس الحب والحنان والخوف عليهم وبمنتهى السعادة والفرح والقلب المنشرح وأنا أنظر إليها وأحدث نفسي أمى تعيد الكرة مرة أخرى وكأن العمرعاد بها للوراء هو هو نفس الحب نفس الحنان نفس العطاء سبحان الله هو الذي وضع كل هذا بقلبها واقول كل هذا لم ينفذ مهما تقدمت بالعمر ولكن اراه يزداد عام بعد عام حب وحنان ولكن بمذاق الأمن والأمان والحنية وطبطبة اليد التى تشفى كل داء وحضنها الذي يحتوى بين زراعيها كل الأمل لمستقبل يسوده التفاؤل .
ولكن بعد أن تقدم بها العمر وضعفت قوتها ولم يضعف حبها ولا حنينها ولا سكينتها لى وبدات سنة الله فى خلقه بعد الشباب ضعف وشيب ومرض بعد عافية وضعف بعد قوة وموت بعد حياة اقتربت ساعة الفراق واقترب انقطاع نبع نهر الحياة واصبح نورها يخفت ويضعف واصبح غمام السحاب يحجب شعاع شمسها بنهارها والسحب السوداء بالليل تحجب ظهور القمر وهنا غربت الشمس ولم تعد تشرق وغاب القمر ولم يعد يضيئ لى الطريق واصبحت الطرقات مليئة بالاشواك وفجاة حان وقت الفراق وحان وقت الوداع واصبح موت أمى حقيقة ذهبت إلى خالقها ذهبت لرب كريم لتجزى على ما قدمته بحياتها وعلى ما قدمته لرسالتها ذهبت إلى حياة الأخرة لتستريح وتهنأ بجوار خالقها ذهبت لتسكن جنة الخلد التى كانت في انتظارها نتيجة لعملها الصالح بالحياة الدنيا .
هنا وقفت أنظر إلى الحياة وهى تمر مر السحاب والم القلب يوقف نبض الأمل ودموع العين جفت ولم يعد نهرها يجرى ولم يعد بدنى يحتمل الوقوف أحيانا والجلوس أحيانا أخرى وكأننى اقف بلا روح نزعت منى بفراق أمى وأنا في دهشة من أمرى هل هذا الفراق حقيقي هل اصبحت وحيدا وأتساءل كل من حولى بجد فارقت أمى الحياة وكان جوابهم نعم هي سنة الحياة وكان سلامهم برغم ما به من مواساة إلا أننى لم أكن معهم إلا بالجسد وفقط ولكن روحى تبحث عن أمى ولم تجدها بين الحضور ولكنها بالأخير بعد تعب البحث ايقنت و اطمأنت أنها ذهبت لخالقها .
ومن بعد فراق أمى لم يعد يومي سعيد أصبح يوم يعيش كما كان يعيش معها ويذكرني بافعالها واقوالها وصورتها ونظراتها حتى أصبحت أمى تلازمنى في حركاتى وسكناتى وفي مطعمى ومشربي وفي سهرى ونومي ولم تفارقنى منذ رحيلها عنى وعن الحياة التى اصبحت حياة بلا روح حياة بلا كرم حياة خالية من الحب والحنان والعطف والطمأنينة حياة اعيشها كما هى ولم أجملها أو أحسنها لأن وجودى بها بالجسد فقط والروح مازالت متوقفة عند لحظة فراق أمى متوقفة عن أى شعور أو إحساس بالعيش بها وهي تقول متى ياتى اللقاء بروح أمى لتهدأ الاشواق الموجعة وتسعد بهذه الروح الطاهرة التى هي بالأخرة والأخرة هي الحيوان لنعيش سويا في جنة العدنان .
قال رسول الله ﷺ: إذا ماتت الأم نزل ملك من السماء يقول: يا ابن آدم ماتت التي كنا نكرمك لأجلها فاعمل لنفسك نكرمك . نسال الله العلى القدير أن يكرمنا بكرمه ويشملنا بعطفه .
ولا أملك بعد هذا الفراق الطويل إلا الدعاء لأمى وروحها الطيبة وأدعو الله سبحانه وتعالى القبول .
اللهم ارحمها فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك.
اللهم انزل نورا من نورك عليها، اللهم نور لها قبرها ووسع مدخلها وآنس وحشتها، اللهم ارحم غربتها وارحم شيبتها.
اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة. لا حفرة من حفر النار.
اللهم انقلها من ضيق اللحود ومن مرتاع الدود إلى جناتك جنات الخلود لا اله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض تغمدها برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم أطعمها من الجنة واسقها من الجنة واره مكانها من الجنة وقل لها أدخلي من أي باب تشائي.
اللهم أنها في ذمتك وحبل جوارك فقها من فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفر لها وارحمها انك أنت الغفور الرحيم.
اللهم أنها أمتك بنت عبدك بنت أمتك أحتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابها فارحمها.
اللهم وارزقها لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقاءك.
اللهم ارجع نفسها إليك راضية مرضيه وادخلها في جنتك مع عبادك الصالحين.
اللهم أنت غني ونحن الفقراء فأنت غني ونحن الفقراء فأنت غني من عذابها فارحمها.
اللهم أن كانت من المحسنين فزد في حسناتها وان كانت من المسيئين فتجاوز عن سيئاتها.
اللهم اجعل ذريتها سترا بينها وبين نار جهنم.
اللهم اجعل ذريتها ذرية صالحة تدعوا لها بخير إلى يوم الدين.
اللهم ادخلها جنتك وكرمك جنات النعيم.
اللهم أني أسالك الفردوس الأعلى نزلا لها.
اللهم واسقها من حوض نبيك محمد صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة مريئة لا تظمأ بعدها أبدًا.
اللهم وأظلها تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ولا باقي إلا وجهك اللهم بيض وجهها يوم تبيض الوجوه وتسود وجوه اللهم يمن كتابها. اللهم وثبت قدمها يوم تزل فيها الاقدام.
اللهم اكتبها عندك من الصالحين والصديقين والشهداء والأخيار والأبرار.
اللهم اكتبها عندك من الصابرين وجازها جزاء الصابرين.
وان شاء الله عيدك يا أمى بالجنة بفضل الله ورحمته