تعود نشأة السيرك في مصر إلي عهد قدماء المصريين وهذا ما أظهرته جدران المعابد مثل ( معابد بني حسن بالمنيا وتل العمارنة ووادي الملوك ) ، ولا تزال فقرات من السيرك الفرعوني تقدم في السيرك في أنحاء العالم علي نفس الصورة التي كانت عليها في عهد الفراعنة ، وكان السيرك وقتها ينقسم إلى :
أولاً : ألعاب إحترافية وهي الفرقة الملكية التي كانت تخدم الفرعون وهي المجموعة الترفيهية الخاصة والتي تظهر في الحفلات الملكية مثل شم النسيم والفيضان ومنها عروض الأقزام والمهرجين .
ثانياً : الألعاب الشعبية وهى التي تقدم للأطفال في الشوارع ، وبعد أن توالت الحروب في مصر الفرعونية وضعفت الأسر الحاكمة ، أهملت الفرق التي تقدم عروض السيرك ، ثم ظهرت بعد ذلك عروض الهواة في الشوارع ومع مرور الوقت بدأت أعداد هذه الفرق في التراجع وأقتصرت العروض التي يتم تقديمها علي المواسم والأعياد والموالد وظل الوضع هكذا حتي أواخر القرن التاسع عشر .
ثم بعد ذلك تطور السيرك إلى أن أصبح عرضاً في مكان ثابت غير متنقل ، ومن أبرز أمثلة السيرك العالمي السيرك الروسي وسيرك دو سوليه الذي يوجد في مونتريال .
ثم أتسع فيما بعد بحيث أصبح يشمل مجموعة كبيرة من التخصصات وأشكال التعبير ، حيث العروض العصرية الحديثة التي تخلو من وجود الحيوانات وإنما هي عروض للمهارة الإنسانية ، وفن الإضحاك في أجلى معانيه ، كما يتميز بالموسيقي المميزة والأزياء وأساليب الإبهار المختلفة .
من أمثلة ذلك …
سيرك الأزبكية :
في عام 1869م أنشأ الخديوي إسماعيل سيركاً في منطقة الأزبكية ، وكان سيرك الأزبكية يقدم بين فقراته عروضاً للتمثيل الصامت ( البانتومايم ) ، ولم يكن الفرق واضحاً في عروض السيرك بين الألعاب وبين فنون التمثيل والموسيقي .
ثم ظهر فن السيرك في مصر علي يد رواده الأوائل أمثال عائلة الحلو وعاكف ، وأزدهر السيرك وأنفقوا أموالهم وأرواحهم من أجل إستمراره .
سيرك عاكف :
في عام 1912م ظهر سيرك عاكف في مدينة طنطا ، علي يد إسماعيل عاكف الذي كان مدرب جمباز في مدرسة الشرطة ، وكان يقدم عروضه في خيمة و طغي علي فقراتها الطابع الإستعراضي والأكروبات دون الإعتماد علي الحيوانات .
سيرك الحلو :
أول وأشهر سيرك عائلي عربي هو سيرك ” الحلو ” ، أنشيء في عام 1889م وحاول محمد علي الحلو الإستفادة من العروض الأجنبية التي كانت تقدم في عهد الخديوي ” إسماعيل ” ، فقام بشراء فيل صغير من الفنان الإيطالي (هيجيم ) الذي جاء لمصر ليعرض فقرات مع الأفيال والخيول ، وبدأ الحلو في تدريب الفيل داخل سيركه محاكاة للغرب .
وفي بداية القرن العشرين وافق الملك ” فاروق ” على طلب حسن الحلو ومحمد الحلو بإستعارة أسدين للتدريب وأخذ الشقيقان يجتهدان في كيفية تقديمهما للجمهور في عرض للحيوانات المتوحشة والذي كان جديداً في ذلك الوقت .
أقيم سيرك الحلو بمنطقة عابدين ، وبعد النجاح العظيم في تقديم فقرة الحيوانات المتوحشة بدأ حسن ومحمد الحلو يتجولان بكل المحافظات المصرية بهذا العرض الذي حقق لهم شهرة عظيمة ، كان ذلك في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي ، الأمر الذي جعل الملك ” فاروق ” يتمنى مشاهدتهم وطلب ذلك بنفسه ، وفى يوم العرض أعجب الملك ” فاروق ” بالعرض وذهب إليه ” حسن الحلو ” ليصافحه ، وعندما وقف أمامه قال له الملك : أنت حسن بك ، ومنذ ذلك الوقت حصل ” حسن الحلو ” على لقب البكوية … وقال له : إذا واجهتك أي صعوبة أذهب إلى ” بولى ” ( أحد العاملين لدى الملك فاروق ) لينهى لك الأمر لأنكم تنقلون ثقافة وفناً جديدين ، وهذا الموقف سهل الكثير من العقبات التي كانت تواجهه في التراخيص وفى الحصول على مواقع خاصة بإقامة السيرك .
السيرك القومي :
بعد ثورة 23 يوليو 1952م قرر الرئيس الراحل ” جمال عبد الناصر ” أن ينشئ سيركاً قومياً يكون مقره حي العجوزة ويطل على نهر النيل ، كما أستقدم الخبراء السوفييت للإستفادة من تجربتهم في مجال السيرك .
وتم إفتتاح مدرسة السيرك في عام 1962م ، وبدأت في تخريج أبنائها حتى إفتتاح السيرك القومي رسمياً في عام 1966م ، ولسنوات ظل السيرك القومي المصري رائداً بين الدول العربية وكانت الدول العربية تتلهف على جولاته فيما بينها .
ويجب أن تذكر دائماّ الدور الهام الذي قام به الجيل الأول من المدربين في السيرك القومي المصري ،،، خاصة الدور التي قامت به عائلة الحلو ، حيث أنها خبيرة مع كل فنون وألعاب السيرك عامة … وخبيرة مع فن الترويض والتعامل مع كافة الحيوانات المفترسة خاصة .
حيث تربت عائلة ” الحلو ” على عشق الحيوانات المفترسة ، وتوارثتها جيلاً بعد جيل ، وكانت ولازالت حياتهم بمثابة مغامرة يومية ، إذ تميزوا بقدرتهم على تحويل كائن مفترس إلى حيوان مستأنس ينفذ أوامرهم ، لكنهم دفعوا ضريبة ذلك غالياً ، فلم يخلو تاريخ ( عائلة الحلو ) من الحوادث التي أودت بحياة بعضهم .
كما تمت الإستعانة بعائلة ” الحلو ” في كثير من الأفلام ، فعائلة ” الحلو ” أشهر العائلات التي تعمل مع الأسود وتعيش معها .
والجدير بالذكر …
أن في بداية أواخر فترة الثلاثينات وفترة الأربعينات أستعانت السينما بعائلة ” الحلو ” في العديد من الأفلام ،،، أهمها :
فيلم ” تاكسي حنطور ” للفنانة ” سامية جمال ” والفنان ” محمد عبد المطلب ” إنتاج عام 1945 م .
وفيلم ” فتاة السيرك ” إنتاج عام 1951 م .
وفيلم ” أشجع رجل في العالم ” إنتاج عام 1968م .
وفيلم ” السيرك ” للمخرج ” عاطف سالم ” إنتاج عام 1968 م .
وفي حديث خاص مع مدرب الأسود والنمور العالمي ” محمد محمد محمد علي الحلو ” وأبنته مدربة الأسود والنمور ” لوبا الحلو ” وهى أيضاً حفيدة أول أمرأة عربية مدربة للأسود والنمور وهى الفنانة الراحلة ” محاسن الحلو ” .
والجدير بالذكر أن الفنانة ” لوبا الحلو “ تعد أول أصغر مدربة أسود ونمور في العالم .
وبدأ الحوار مع كابتن ” محمد الحلو ” عن تاريخ ونشأة السيرك الحديث في مصر ،،، فقال :
أن عائلة ” الحلو ” هي التي أدخلت فن السيرك في مصر من أكثر من مائة عام على يد جدي الكبير الحاج ” علي الحلو ” ، وعائلة ” الحلو ” متخصصة في كل نواحي وجوانب فن وألعاب السيرك المختلفة والمتنوعة .
وبدأت القصة في مدينة الأسكندرية … حينما كان ينزل الإيطاليين والفرنسيين ترانزيت في مدينة الأسكندرية فكانوا يقدمون عروض أكروبات ، وكان جدي ” علي الحلو ” وقتها يقيم سيرك بدائي ( كانت الكراسي فيه عبارة عن علب صفيح ، والإضاءة كانت عبارة عن مشاعل من النيران ) .
وبعده جاء جدي ” محمد الحلو ” الذي كان يعشق كل فنون وألعاب السيرك وكان معه أخوه ” حسن الحلو ” ، وتزامن في تلك الفترة وجود السيرك الإيطالي (هيجيم ) في مصر ، وكانوا وقتها يقدمون بعض عروض الحيوانات حيث كانت إمرأة إيطالية تقوم وحدها بتقديم عروض ترويض الحيوانات المفترسة بلبؤتين من الأسود ، فتأثر بها جدي ” محمد الحلو ” وكان هو أول مصري يقدم فقرات ترويض الحيوانات المفترسة وأيضاً فقرات عديدة متنوعة للحيوانات المدربة ، ومن هنا كانت الإنطلاقة …
فقد تأسس سيرك ” الحلو ” عام 1889 م الذي أسسه ” محمد علي الحلو ” فقد حاول الإستفادة من العروض الأجنبية التي كانت تقدم في عهد الخديوي ” إسماعيل ” فعمل على شراء فيل صغير من الفنان الإيطالي (هيجيم ) والذي جاء لمصر لكي يعرض فقرات مع الأفيال والأحصنة , وأبتدأ ” محمد الحلو ” في تدريب الفيل داخل سيركه ، وفي بداية القرن العشرين أدخلوا أسدين .
أن عائلة ” الحلو ” كانت ولازالت ذائعة الصيت حتى يومنا هذا , ولذلك كان السيرك يطوف في كل المحافظات حتى وصلت شهرته لـ الملك ” فاروق ” فطلب أن يستضيف السيرك في قصره ، و منح لقب البكوية لحسن الحلو , وصار حسن بك الحلو .
وبعد ذلك ظهر سيرك ” عاكف ” الذي أسسه ” إسماعيل عاكف ” في محافظة طنطا عام 1912م ، حيث أن ” إسماعيل عاكف ” كان مدرب جمباز في مدرسة الشرطة .
ثم ظهرت عائلات أخرى في السيرك ،،، مثل سيرك عائلة ” راشد ” , وعائلة ” ياسين عبد الله ” والد الفنانة ” صابرين ” , و ” حنفي السول ” ، وسيرك ” بغدادي ” ، وسيرك ” توفيق ” ، وسيرك ” كوتة ” العالمي .
وجائت بداية السيرك القومي حينما زار الرئيس الراحل ” جمال عبد الناصر ” دولة روسيا في أوائل فترة الستينات ، وسأل عن أفضل مكان في روسيا فأتوا به للسيرك الروسي ، وعندما عاد لمصر أمر بتجميع كل الفرق والسيركات من المحافظات والقرى لإنشاء سيرك قومي لمصر .
وكانت البداية بأربع فرق وسيركات هم : ( سيرك الحاج ” حسن الحلو ” ) و ( سيرك الحاج ” محمد الحلو ” ) و (سيرك عائلة ” عاكف ” ) و ( سيرك الحاج ” حنفي السول ” ) وتم المكوث في بادىء الأمر في منطقة عابدين بالقاهرة .
وقام وزير الثقافة ” ثروت عكاشة ” حينذاك بتجميع كل عناصر فرق السيرك القومي وأحضر ثلاثة خبراء أجانب هم :
( مايس ترنكو ، ألكسندر شاي ، مالينكوف )
وكانوا مساعدين الخبراء هم : ( محمد الحلو ، حسين عاكف ، فاروق عاكف )
ومكثنا في حديقة عابدين 6 سنوات تدريبات حتى أفتتح السيرك القومي رسمياً في منطقة العجوزة بالقاهرة في عام 1966 م .
لقد تطور سيرك الحلو مع مرور الوقت في فقراته ،،، ومن أمثلة ذلك الفقرات التي كانت تقدمها ” محاسن الحلو ” التي كانت في وقتها أصغر عارضة أكروبات في عالم السيرك .
وفي السنوات الأخيرة أسست مدربة الأسود ” فاتن الحلو ” أرملة المدرب الراحل ” إبراهيم الحلو ” السيرك المصري الأوروبي الذي يضم حالياً أكثر من ثمانين فنان مصري وأجنبي .
وقد صرح الفنان ” محمد الحلو ” قائلاً …
أنه يتمنى أن يعود السيرك القومي المصري لمكانته في سابق عهده للتصنيف العالمي بين دول العالم ، وكذلك يتمنى تقدير فنان السيرك القومي حق قدره ، وأن يتم تدعيم السيرك القومي بخبراء دائماً للنهوض به من أجل مصر .
والجدير بالذكر …
أن الفنان ” محمد الحلو ” هو أول من درب النمر الأسود والفهد المنقط ، وهو أول من أستورد الأسد الأبيض وأدخله مصر ، وكذلك هو أول من جمع بين الأسود والنمور والفهود والثعابين في قفص واحد ، وهو أول من أشتغل ب 23 أسد في قفص واحد ( وهو لم يحدث من قبل مع أحد غيره ) .
وكذلك عمل الفنان ” محمد الحلو ” دوبلير في العديد من الأفلام السينمائية للفنان الراحل ” فريد شوقي ” ، وكذلك دوبلير في العديد من أفلام الأكشن أشهرهم فيلم ” الأبطال ” للفنان ” أحمد رمزي ” ،،، مثله مثل والده الذي عمل كفنان ودوبلير في العديد والعديد من الأفلام الأكشن السينمائية ، وكان آخر فيلم أشترك فيه هو فيلم ” البحث عن فضيحة ” للفنان ” عادل إمام ” وللفنان ” سمير صبري ” .
والفنان ” محمد الحلو ” له أسم كبير في كل أنحاء الدول والسيرك العالمي خاصة أنه له أسم مميز ولامع على قائمة تاريخ مدربين الأسود والنمور في السيرك الروسي ، وبالرغم من ذلك فهو لم ينال تكريماً واحداً من مصر حتى الآن !!! و بالرغم من كل ذلك وبالرغم من خروجه على المعاش من السيرك القومي إلا أنه مازال يمثل الأب الروحي ومصدر للطاقة لكل العاملين بالسيرك القومي .
إضافة تعليق جديد